كتب محمد دهشة في نداء الوطن:
عاد حراك صيدا الى الشارع مجدداً، ولكن بشكل خجول خلافاً للمتوقع، لم يرقَ الى اعداد المستائين من الفقر المدقع والجوع، اذ شارك عدد قليل قياساً على عنوان “يوم الغضب الصيداوي”، احتجاجاً على تردي الاوضاع المعيشية واستفحال الازمة الاقتصادية وارتفاع الدولار الاميركي والغلاء، ما طرح تساؤلات كثيرة حول الاسباب وما اذا لم يكن هناك تجانس بين الداعين والمحتجين من جهة او غياب التنسيق بين المجموعات من جهة أخرى، وصولاً الى هل تخدرت الناس وتأقلمت مع الأمر الواقع المرير؟
ورغم الضجيج الذي سبق التحرك على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة مجموعات “الواتساب” وبيانات التشجيع على المشاركة على قاعدة “نازلين ومش طالعين”، والحفاظ على السلمية والحرص على ساحة الثورة عند تقاطع ايليا بما ترمز من ساحة نضال معيشي، الا ان المشاركة كانت خجولة والاعداد قليلة الى حد انها لم تستطع قطع الطريق بعدما تدخل الجيش اللبناني وحال دون ذلك، ما دفع بالمحتجين الى التحرك نحو مبنى مؤسسة كهرباء لبنان المجاور في شارع حسام الدين الحريري، حيث برز العنصر النسائي، وقُطعت الطريق بحاويات النفايات لبعض الوقت احتجاجاً على التقنين القاسي بساعات التغذية، قبل الانتقال مجدداً الى ساحة النجمة واقفال الطريق المؤدي الى شارع رياض الصلح الرئيسي.
وقالت الناشطة ميادة حشيشو لـ”نداء الوطن”: “التحرك كان خجولاً ولكنه نابع من وجع كبير من القلب وفي حياتنا، تحركنا كان مطلبياً رفضاً لارتفاع الدولار والغلاء وفقدان الدواء وارتفاع اسعار البنزين والمازوت والغاز، لم نعد قادرين على اطعام اولادنا، نموت جوعاً. لم استطع ادخال صهري الى المستشفى بسبب كلفة العلاج الباهظ الذي يفوق 50 مليون ليرة لبنانية، اين يتعالج المريض والمستشفيات الحكومية تئن من الوجع وتحتاج الى من يداوي اوجاعها ومطالب موظفيها المزمنة”؟
ولم تخفِ حشيشو التساؤل المرّ عن اسباب هذا الفتور في التحركات الاحتجاجية، وقالت “هل الناس مرتاحة، هل معها دولارات، ام تخدرت ولم تعد لديها ثقة بأحد بعدما اصيبت باليأس والاحباط؟ لماذا الحراك في صيدا ضعيف على غير باقي المناطق وخاصة في الشمال وبيروت”؟
وسط الطريق، جلست الناشطة احلام على الاسفلت، لم تفلح محاولات ثنيها عن قطع الطريق بجسدها، قالت “الحال لم يعد يطاق ولا يمكن ان يوصف، الطلاب يذهبون الى المدارس جوعانين، والطالبات لم تعد تستطيع شراء مجرد منقوشة لتسد رمق جوعها، لقد وصلنا الى قعر جهنم وما زلنا نسير، الى اين سنصل بعد ذلك”؟
وقال الشاب راسم النقوزي: “لم يعد البلد يشبهنا، او لم يعد لنا”، متسائلاً “هل يريدون منا الهجرة”؟ قبل ان يردف “نحن موافقون… فالهوية اللبنانية التي كنا نفتخر بها ونتباهي، اصبحنا نخجل من حملها لانها لم تعد لها قيمة، لقد دمروا لبنان ويريدون تدمير نفوسنا ودفعنا نحو اليأس والجنون”.
وبخلاف المتوقع، لم يشارك سائقو سيارات الاجرة (التاكسي) بكثافة في التحرك، بعضهم شارك على خجل او مضض، وبعضهم فضّل العمل سعياً وراء قوت العيش، وقال ابو أحمد وهبي لـ”نداء الوطن”: “لم يعد احد يسأل علينا او على الفقراء، لقد اشبعونا وعوداً وكلاماً ونحن في الحقيقة نموت جوعاً بلا طعام، السائقون فقدوا الثقة وكل واحد بات يعمل على قاعدة “دبر راسك”.
وتدور في أروقة المدينة احاديث بأن الحراك في صيدا لم يعد عفوياً او مزاجياً ساعة ما يشاء البعض، وانه بات منظماً الى حد الايعاز، على ابواب الاستعداد للانتخابات النيابية المقبلة ومدى تأثير كل طرف على الواقع وقدرته على تحريك الشارع، قطعاً للطريق على ترشح من خارج المألوف او اي من المستقلين حتى.