جمال نازي – “العربية”:
لا مستحيل مع العلم، فقد كشفت دراسة جديدة عن أن النمل قادر على التحول من شغالات إلى وضع شبيه بالملكة بفضل تعديل طفيف في بروتين واحد في دماغه.
في التفاصيل، أوضحت الأبحاث أن علماء الأحياء في كلية بيرلمان للطب بجامعة بنسلفانيا، نجحوا في عزل الخلايا العصبية من أدمغة النمل الهندي القافز Harpegnathos saltator، والذي اشتق اسمه من قدرته على القفز بضع بوصات، وذلك وفقا لما نشرته صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
من شغالات تقليدية لملكات إضافية
وتوصل الباحثون في الدراسة التي تم نشر نتائجها في دورية Cell، إلى أن البروتين المسمى Kr-h1، ينظم انتقال النمل من شغالات تقليدية، مكلفة بإيجاد الطعام، إلى حالة “ملكات” النمل الإضافية، والتي تكون المسؤولة عن التكاثر في مستعمرة لا توجد بها ملكة رئيسية.
وأوضح بروفيسور روبرتو بوناسيو، الباحث الرئيسي في الدراسة، أن أدمغة الحيوانات تتميز بقابليتها للتشكيل، مشيراً إلى أن عملية مماثلة تحدث في أدمغة البشر، مثل التغيرات في السلوك خلال فترة المراهقة، والتي تعد عملية ضرورية للبقاء على قيد الحياة، لكن الآليات الجزيئية التي تتحكم فيها لا تكون مفهومة بشكل تام.
أما في مستعمرة النمل فتحافظ الشغالات على المستعمرة من خلال إيجاد الطعام ومحاربة الغزاة، في حين أن المهمة الرئيسية للملكة تكون وضع البيض المخصب وغير المخصب.
السلوك الاجتماعي
وفي فصيلة النمل الهندي القافز H. Saltator، تمتلك الشغالات القدرة على التكاثر ووضع البيض، لكن يعيق هذا التحول وجود الملكة. ومن ثم عندما تموت الملكة، تبدأ فترة من القتال العنيف، ليفوز بعدها عدد قليل من الشغالات بحق التكاثر ووضع البيض، بما يؤدي إلى حدوث تغييرات جذرية في السلوك الاجتماعي داخل المستعمرة، مع ملاحظة أنه من الممكن عكس هذه التغييرات وتحويل الملكات الإضافية إلى شغالات مرة أخرى.
كما لفت بوناسيو إلى أن “الملكات يولدن ملكات”، وعندما يخرجون كملكة بالغة من الخادرة أو يرقة من البويضة تكون لديهن أجنحة، في حين أن الشغالات تولد بلا أجنحة ولا يصبحن ملكات إلا في حالة وجود تغير في الظروف داخل المستعمرة.
حل اللغز
كذلك أشار إلى أن المعلومة لم تكن غير معروفة من قبل، وإنما كان اللغز يكمن في كيفية القدرة على التحول من شغالات إلى ملكات إضافية قادرة على التكاثر، لذلك قام الباحثون بتطوير طريقة لعزل الخلايا العصبية من النمل وحفظها في المختبر، مما سمح لهم باستكشاف كيفية استجابة الخلايا لهرمونين، هما juvenile JH3 وecdysone 20E، واللذين يتوافران بمستويات مختلفة في أجسام كل من الملكات والشغالات.
واكتشف الباحثون أن JH3 و20E أنتجا أنماطًا مميزة من التنشيط الجيني في أدمغة الشغالات والملكات، وأن المزيد من هرمون JH3 والقليل من هرمون 20E يجعل النمل يتصرف كشغالات، بينما الكميات الأقل من هرمون JH3 والزيادة في كميات هرمون 20E يؤدي إلى حدوث العكس.
التأثير على الخلايا العصبية
إلا أن المفاجأة الأكبر كانت أن كلا الهرمونين أثر على الخلايا العصبية من خلال تنشيط Kr-h1، وهو البروتين الذي يقمع سلوك الشغالات ويعزز سلوك الملكات.
وبهذه الطريقة، فإن بروتين Kr-h1 يشبه إلى حد ما مفتاح الضوء، أما الهرمونات فتلعب دور مصدر الطاقة الذي يعمل على تشغيله أو إيقاف تشغيله.
وقالت الباحثة شيلي بيرغر من جامعة بنسلفانيا، أن هذا البروتين ينظم الجينات المختلفة في الشغالات وشبيهات الملكات ويمنع النمل من أداء سلوكيات غير ملائمة اجتماعياً، وبما يعني أن بروتين Kr-h1 مطلوب للحفاظ على الحدود بين الطبقات الاجتماعية ولضمان استمرار الشغالات في العمل بينما تستمر شبيهات الملكات أو الملكات الإضافية في أداء دورهن في التكاثر داخل المستعمرة.
ولعل الرسالة الرئيسية في هذه الدراسة هي أنه وفي مستعمرات النمل، يتم تحديد أنماط سلوكية متعددة في نفس الوقت في الجينوم وأن تنظيم الجينات يمكن أن يكون له تأثير كبير على السلوك الذي ينفذه الكائن الحي.
وبعبارة أخرى، فإنه يمكن لأي شخص أو كائن حي أن يلعب أي دور بحسب المفاتيح الجينية التي يتم تشغيلها أو إيقاف تشغيلها.
وعلى ذلك، يعتقد بروفيسور بوناسيو أن بروتينات أخرى مماثلة يمكن أن يكون لها وظائف مماثلة في الأدمغة الأكثر تعقيدا، مثل أدمغة الإنسان، مشيرا إلى أن اكتشاف هذه البروتينات قد يسمح لنا يوما ما بإعادة المرونة إلى الأدمغة التي فقدتها – على سبيل المثال، أدمغة الأشخاص في مرحلة الشيخوخة.
كما يخطط الباحثون في الدراسات المستقبلية، لاستكشاف دور بروتين Kr-h1 في الكائنات الحية الأخرى، وكذلك كيفية تأثير البيئة على تنظيم الجينات، وبالتالي على مرونة المخ وقابليته لإعادة التشكيل.