تملأ بيروت «قنابل دخانية» تبدو أقرب إلى بالونات اختبار في ما خصّ سبل «تدليك» الواقع الحكومي وإحياء جلسات مجلس الوزراء وسط أسئلةٍ عن جدوى أي معالجة، ما زالت أصلاً بعيدة، لملف المحقق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار الذي صار بمثابة «القفل والمفتاح» في مأزق الحكومة، ما دامت الأزمة الأكبر وذات البُعد الشامل مع دول الخليج العربي ما زالت تعتمل ومرشّحة للتفاعل أكثر.
وبدا واضحاً أمس أن الأفق ما زال مقفلاً أمام محاولتيْ تجزئة:
الأولى للأزمة مع دول الخليج على قاعدة «تقديم» استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، الذي فجّرت تصريحاته العدائية للسعودية والإمارات «القلوب المليانة» خليجياً من لبنان الرسمي و«حزب الله»، كمدخلٍ لتجميد الإجراءات الزاجرة الخليجية، وفصل هذا المسار عن «الموجبات» العميقة للغضبة الخليجية ذات الصلة باقتياد «بلاد الأرز» إلى المحور الإيراني ومشاركة «حزب الله» في ما تعتبره الرياض «إعلان الحرب» عليها عبر دعمه للحوثيين.
والثانية لأزمة المحقق العدلي في «بيروتشيما» على قاعدة محاولة كف يده عن التحقيق مع الوزراء السابقين ورئيس الحكومة السابق حسان دياب وترْك هذا الأمر في عهدة المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء على أن يستمر بيطار في تحقيقه الموازي مع سائر المتهمين والمدعى عليهم، وذلك بما يساهم في فكّ أسْر جلسات الحكومة التي احتجزها الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري منذ 12 أكتوبر الماضي على قاعدة «إما بيطار أو الحكومة».
«حزب الله» غير مستعجل
وعلى خط الانتكاسة الخطيرة في علاقات لبنان مع الخليج العربي، شككّت أوساط واسعة الاطلاع في مناخاتٍ سادت أمس عن إمكان تقديم قرداحي استقالته وذلك ربْطاً بالزيارة التي قام بها رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية (وزير الإعلام من حصته) لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي، معتبرة أن من الصعوبة بمكان تَصَوُّر تسليم «حزب الله» هذه «الورقة» التي رفع منسوب التشدّد حيالها في الأيام الماضية إلى مستويات بدت غير قابلة للعودة عنها، ولافتة إلى أن أي «تحريك» لهذا «الخط الأحمر» لا يمكن أن يحصل بأي حال قبل استئناف مفاوضات النووي الإيراني في 29 الجاري وتبيان آفاقها.
وإذ تستبعد هذه الأوساط أيضاً أن يكون فرنجية في وارد التفرُّد بمثل هكذا قرار بمعزل عن حسابات «حزب الله»، فهي ترى أن عدم اتضاح مآلات معركة إقصاء بيطار التي تبقى «الأساس» بالنسبة للحزب، يحتّم حُكْماً عدم استعجال أي خطوات تتصل بمصير قرداحي.
وفي موازاة ذلك، يبقى لبنان الرسمي على تَخَبُّطه في مقاربة هذه الأزمة في ظلّ عجزٍ عن التكيّف مع ما عبّرت عنه هذه «العاصفة» الديبلوماسية مع دول الخليج من «انتهاء صلاحية» الحلول «الترقيعية» التي لطالما وازنتْ بين مقضيات الوفاق الداخلي وموازين القوى المحلية وبين ضرورات الإبقاء على «شعرة» الربط مع الحضن العربي ولو عبر «يافطات» مثل النأي بالنفس الذي لم يَعُد ممكناً تسويقه وفق صيغة: تلتزمه الحكومة قولاً ويخرقه مكوّن رئيسي فيها فعلاً.
وعلى وقع ارتسام موقف سعودي واضح بإزاء عمق الأزمة التي تَسبّب بها مَن وصفتهم بـ «وكلاء إيران» عبر «هيمنتهم على لبنان» معتبرة أن المطلوب «تحرير لبنان»، وفي حين يحاول ميقاتي الموازنة بين «إنقاذ» حكومته من الموت بـ «لغم قرداحي» وبين إبداء التفهّم لحيثيات «طفح الكيل» الخليجي عبر المزيد من حض وزير الإعلام على الاستقالة، لم تحمل زيارة وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو أي مؤشراتٍ لكونه يحمل مبادرة جاهزة في ما خص انزلاق علاقة بيروت مع الخليج نحو أخطر منعطف.
… أوغلو حزين
واكتفى أوغلو في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره اللبناني عبد الله بو حبيب بإبداء «الحزن جرّاء الأزمة الأخيرة الّتي حصلت بين لبنان والخليج، ونتمنّى أن يتمّ حلّ هذه المشاكل والأزمات عبر الاحترام المتبادل والمفاوضات والطرق الديبلوماسيّة، ونحن كتركيا جاهزون للقيام بدورنا في هذا الخصوص».
وأشار أوغلو، الذي التقى أيضاً رئيسيْ الجمهورية ميشال عون والبرلمان نبيه بري والرئيس ميقاتي، إلى أنّ «الجميع يجب أن يدعم الحكومة، من أجل أن يتخطّى لبنان الأزمات الّتي يمرّ بها، وكي تقوم الانتخابات النيابية بموعدها. كما أنّ الشعب اللبناني يجب ألّا يضطرّ إلى دفع ثمن المساومات الإقليميّة، وهو ينتظر الحلول العاجلة لمشاكله»، موضحاً «أن زيارتي هي من أجل تأكيد دعم أنقرة المستمرّ للبنان ودعوة رئيس الحكومة لزيارة تركيا، وإجراء التحضيرات الأوليّة لهذه الزيارة».
وكان الرئيس عون أبلغ الى وزير الخارجية التركي «أن لبنان يرحب بأي مساعدة يمكن أن تقدمها تركيا لتسهيل عودة النازحين السوريين الى ديارهم التي أصبحت بغالبيتها آمنة»، مؤكداً «الرغبة في توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين».
وأعرب أوغلو عن أمله في «أن يتجاوز لبنان قريباً الأزمة التي نشأت بينه وبين عدد من دول الخليج» وعن استعداد بلاده لتقديم أي مساعدة في هذا المجال»، كما نقل رسالة شفوية من الرئيس رجب طيب أردوغان أكد فيها عمق العلاقات بين لبنان وتركيا.
ميقاتي و… فصل المساريْن
وفي موازاة ذلك، حرص رئيس الحكومة على تبديد المناخات التي أشاعت وجود «خريطة طريق» ستمر بالحكومة لإقصاء بيطار، نافياً عبر مكتبه الإعلامي ما يتم تداوله عن «التحضير لحلول للأزمة السياسية على قاعدة بيطار مقابل مجلس الوزراء»، مؤكداً «أن خريطة الحل التي وضعها منذ اليوم الأول هي الأساس وخلاصتها، أن لا تدخل سياسياً على الاطلاق في عمل القضاء، ولا رابط بين استئناف جلسات مجلس الوزراء وملف التحقيق القضائي بانفجار المرفأ».
وخلال اجتماع موسّع للبحث في استكمال «خطة الإصلاح والنهوض وإعادة الاعمار» التي أطلقها البنك الدولي والامم المتحدة والاتحاد الاوروبي بعد انفجار المرفأ، كرر ميقاتي «دعوة جميع الأطراف المشاركة في الحكومة، الى التعاون لإعادة عجلة العمل الحكومي الى الدوران الكامل وفق خريطة الطريق التي حددتها منذ اليوم الأول، وصون علاقات لبنان مع دول العالم لا سيما الأشقاء في دول الخليج».
وقال «كفانا إضاعة للوقت وللفرص ولنتعاون جميعاً في ورشة عمل نمضي فيها بحل ما أمكن من مشكلات لها علاقة بأولويات اللبنانيين الموجوعين»، داعياً لإبعاد ملف المرفأ «عن السياسة وحصره في إطاره القضائي الصرف واعتماد الأصول الدستورية في معالجته».
وعَكَس موقف ميقاتي أن هذا الملف ما زال في دائرة التعقيدات والتمترس المتبادل وسط مناخات تشي بانتقال عملية الضغط السياسي وبالدعاوى في اتجاه رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، بوصفه بحسب القريبين من الثنائي الشيعي، «حامي بيطار»، وسط اعتبار أوساط متابعة أن «سلة الحل» التي كان جرى طرْحها قبل نحو أسبوعين على قاعدة «خلْع» بيطار عن التحقيق مع الوزراء ودياب ستصطدم ولو بعد حين بتمسك «حزب الله» بـ «قبْعه» أي تنحيته عن كل الملف الذي «يرتاب» الحزب من إدارته في شكل «يوصل إليه».
بريطانيا تنصح بوقف كل السفر إلى لبنان… باستثناء الضروري
نصحت بريطانيا في تحديث جديد صدر أمس، بعدم السفر إلى لبنان باستثناء السفر الضروري.
وأعلنت في بيان إن «وزارة الخارجية والكومنولث والتنمية تنصح الآن بوقف كل السفر إلى لبنان باستثناء السفر الضروري وباستثناء تلك المناطق التي تنصح وزارة الخارجية بعدم السفر إليها».
ويظهر الموقع الإلكتروني للحكومة، انها تنصح بعدم السفر إلى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وهي مناطق تقع على بعد خمسة كيلومترات من الحدود مع سورية ومنطقة الهرمل.