صدرت أمس لوائح الأسعار الجديدة للأدوية بكافة أنواعها المدعوم منها وغير المدعوم، وبيّنت الجداول المحدّثة ارتفاعا مخيفا في أسعار مختلف الأدوية، حيث باتت الفاتورة الدوائية تفوق راتب شهر كامل لبعض الأفراد، خصوصاً بعد رفع الدعم جزئياً عن أدوية الأمراض المزمنة، فتلك التي يقلّ سعر استيرادها عن 5$ بلغت نسبة دعمها 25%، والأدوية المزمنة التي تكلّف ما بين 5 و10$ وصلت نسبة دعمها إلى 45%، أما إذا كان ثمنها ما بين 10 و50 $ فتدعم بنسبة 65%، مع بعض الاستثناءات.
نتيجة ذلك تخطّت نسب الارتفاع الـ 100% ووصلت في بعض الأصناف إلى 830% مثل دواء APO-SIMVASTATIN الذي زاد سعره بنسبة 828.76 في المئة، من 15.801 ليرة لبنانية إلى 146.754 ليرة. بهذا، تكون أسعار آلاف الأدوية تضاعفت أكثر من 8 و9 وحتى 10 أضعاف مقابل استقرار أسعار الأدوية لمعالجة مرضى السرطان والأمراض المستعصية الأخرى لأنها لا تزال مدعومة على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية للدولار، أما المواطن فيبدو في حالة إحباط واستسلام جعلته يقف صامتا عاجزا عن التغيير.
مع إعلان الخبر، ناشد رئيس لجنة الصحة النيابية النائب عاصم عراجي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “للتدخل شخصياً لدى مصرف لبنان لزيادة الدعم لأدوية الامراض المزمنة إذ فاقت أسعارها طاقة 70 في المئة من الشعب”، محذّراً من وضع “مرضى السكري والضغط والقلب والأعصاب تحت الخطر”.
أما وزير الصحة العامة فراس الأبيض فأكّد أن الدعم لم يرفع عن “المستلزمات وأدوية الأمراض العصبية وغسيل الكلى، وكل المواد الأولية التي تدخل في الصناعة الدوائية لا تزال مدعومة 100% وهذه الصناعة تؤمن 450 دواء”، مضيفاً “يمكن للصيدلي أن يساعد المريض على اختيار دواء الجنريك”. في حين أصحاب الصيدليات أنفسهم يعانون ويعملون باللحم الحي، فكيف تلقفوا الخبر؟ وما تداعيات الارتفاع الكبير في الأسعار عليهم؟
الصيدلي فادي كعدي يقول لـ “المركزية” أن “مصرف لبنان لا يمتلك الدولارات وعاجز عن الدعم. بعض الأدوية لديها جنريك وبعضها لا. وتنقسم هذه الأدوية إلى مزمنة وموقتة في حالات مرضية ظرفية مثل المسكّنات والمضادات الحيوية والمراهم العلاجية”.
ويتابع “كي لا يتدمر ما بقي من النظام الصحي رفعوا الدعم، لكن الوكلاء لن يستوردوا الأدوية المقطوعة لأنهم ينتظرون تسديد مستحقاتهم المتوجبة على مصرف لبنان”، مشيراً إلى أن “الوكيل يسدد ثمن البضائع المستوردة والمدعومة بالدولار ما يجعل الدولة مدينة له من دون أن تسدّد متوجباتها، فيترجم ذلك برفع الدعم. ولو أنه رفع منذ بداية الأزمة وانهيار العملة الوطنية لما وصلنا إلى هذه الحال لأن السوق كانت قد توازنت، خلافا للواقع اليوم بسبب ارتفاع العديد من الأدوية بنسب كبيرة مقابل رواتب غير مصححة. كذلك، كل السلع والخدمات ارتفعت أما النظام الصحي فلا يزال رخيصا ومداخيله على سعر صرف الـ 1500 ليرة. فالسياسات الصحية تفرط وتفلس وكأن هناك هدفا لضرب النظام الصحي وقد أثبت ذلك”.
واعتبر كعدي أن “المفترض رفع الدعم عن كل أصناف الأدوية ووضع نظام جديد يرتكز الى دراسة تحدد من خلالها قدرة المنظمات غير الحكومية والهيئات الضامنة المحلية والدولية على التغطية، وهذا ما يمكن أن يساعد، لا الدولة المفلسة التي ستؤدي إلى وقف الوكلاء نشاطهم إن لم تسدد لهم مستحقاتهم وفي هذه الحال يكون البديل الذي ينتظره للاستسلام جاهزا لملء الفراغ”.
ولفت إلى أن “المصانع المحلية لا تخلق أدوية بل تهتم بالتغليف الذي يسدّد ثمنه بالدولار، بالتالي سترتفع أسعاره أيضاً ولو أرخص بقليل”.
وختم كعدي “أي صيدلي سنحت له الفرصة لمغادرة البلد لم يقصّر ولم يبق سوى من عجز عن ذلك ويحاول الحفاظ على ما تبقّى”.
توازياً، ينتظر مستوردو الأدوية الموافقات المسبقة من المصرف المركزي ووزراة الصحة للمبادرة إلى الاستيراد وفق النسب الجديدة. وفي حديث لـ “المركزية” يؤكّد نقيب المستوردين كريم جبارة أن “رفع الدعم سيكون له تأثير سلبي على المستوردين، فعدد من المرضى الذين لا قدرة لديهم على شراء الأدوية بأسعارها الجديدة سيلجأون إلى مراكز الرعاية الصحية أو سيبحثون عن الدواء الجنيس الأرخص أو يبدّلونه. وهذا ما حصل عندما رفع الدعم عن الأدوية الأخرى وتراجع الطلب عليها في طبيعة الحال”.
وفي ما خصّ تشجّع الوكلاء على الاستيراد في ظلّ نقص السيولة لدى مصرف لبنان، أوضح أن “في الفترة الأخيرة اتفق وزير الصحة مع المصرف المركزي. التنسيق دائم والاجتماعات متواصلة أسبوعياً بين الطرفين منذ شهرين، ويؤكدون التزامهم بدفع الاستحقاقات القديمة مع موافقات مسبقة للاستيراد، إضافةً إلى إعطاء وزارة الصحة ميزانية لدعم القطاع الصحي بـ 35 مليون دولار شهرياً، وعلى أساس هذا الاتفاق نستورد وسنستمر طالما العمل بهذه الآلية قائم”.
وشرح جبارة أن “من اصل 35 مليون دولار مخصصة لدعم القطاع الصحي تحصل الأدوية على 25 مليون وهذا المبلغ غير كافٍ لدعم احتياجات البلد كلّها، حيث كانت مبالغ الدعم تتراوح ما بين الـ 80 والـ 100 مليون دولار شهرياً. لذا رُفع عن بعض الأصناف وبقي جزئياً على أدوية الأمراض المزمنة مقابل إعطاء الأولوية للأمراض السرطانية والمستعصية إذ وقف الدعم عنها يؤدي إلى كارثة الكوارث بالنسبة إلى المريض”.