كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
يخصص وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يومه الثاني في لبنان للقاء الجاليات التركية والتركمان في لبنان. يحاول ان يحجز دوراً لبلاده التي حققت حضوراً لا بأس به من خلال مشاريع انسانية وطبية او من خلال قواتها المتواجدة ضمن قوات اليونيفيل البحرية. لكن لبنان المتلهف للقاء الاصدقاء قد لا يكون لديه الكثير ليقدمه لتركيا خارج مشاريع تنموية محدودة واتفاقيات ثنائية. ولن تكون زيارة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الى تركيا قريباً كمحاولة للبحث عن ضائع في السياسة ولا على سبيل طلب المساعدات، وهي التي تشهد انهياراً في عملتها الوطنية تنذر بأزمة اقتصادية حادة. فما الذي جاءت تبحث عنه الديبلوماسية التركية وما الذي تهدف اليه في هذا التوقيت بالذات؟
لا يمكن البحث في اسباب الزيارة بمعزل عن مستجدات المنطقة وما ستشهده. يأتي جاويش اوغلو بينما يعاني لبنان أزمة دبلوماسية اندلعت مع دول الخليج العربي، على خلفية مواقف وزير الاعلام جورج قرداحي من الحرب في اليمن قبل توليه مهام منصبه وزيراً للإعلام في لبنان. وبعيد زيارته لطهران، وغداة زيارات مسؤولين عرب الى انقرة، رئيس الديبلوماسية التركية أثار خلال لقائه مع المسؤولين في لبنان قضايا عدة، كان ابرزها طرح موضوع النازحين السوريين والحديث عن تأمين العودة “الطوعية” لهم الى بلادهم.
وخارج ذلك لم تحمل زيارته أي جديد خارج المتعارف عليه. تشديد على العلاقات الثنائية واستطلاع أفق، وتسجيل موقف مؤيد للبنان وداعم مع عروضات متكررة للمساعدة. ولكن حتى المساعدة قد لا تكون تركيا قادرة على تقديمها وهي التي تعاني اقتصادياً كما تعاني ازمات سياسية مع محيطها. ليس لبنان تلك الارض الخصبة المهيأة للتماهي مع اي دور تركي لا سيما على مستوى الساحة السنية حيث لا تزال السعودية، ورغم الازمة، الحاضرة الاكبر في اذهان سنة لبنان والساعين لودها أيّاً كانت مواقفها تجاههم. أعاد جاويش اوغلو التذكير بمؤتمر النازحين السوريين الذي كانت بلاده تعتزم عقده عام 2019 في دمشق، مجدداً رغبة بلاده في لعب دور على هذا المستوى وعزمها على لعب دور محوري بإعادة النازحين الى ديارهم. وقال انه بحث مع المسؤولين في ايران في موضوع الاستقرار في العراق وتطرق الى الوضع في سوريا، مؤكداً ضرورة تعزيز الامن على الاراضي السورية. وفي الموضوع اللبناني لمّح الديبلوماسي التركي الى ما اعتبره رد الفعل المبالغ فيه سعودياً تجاه لبنان.
مجموع هذه النقاط التي اثارها هي مدعاة للسؤال عما اذا كانت تركيا تبحث عن دور ما في المنطقة، او انها لم تجد نفسها في المعادلات الجديدة الروسية والاميركية، والمفاوضات الاميركية مع ايران اواخر الشهر الجاري، فأرادت حجز موطئ قدم لها في تلك المعادلات؟ وهل يخفي حديثه عن عودة النازحين اتفاقاً مسبقاً على عودة طوعية مثلما ألمح؟ وهل ستتمكن تركيا بالفعل من تحقيق رغبتها بعقد مؤتمر تركي عراقي لبناني اردني بقيادتها للعودة الطوعية للنازحين السوريين؟
بدت تركيا في حراكها الديبلوماسي كمن يحاول ترتيب اوراقه في المنطقة، وتقود حركة ديبلوماسية لتزخيم حضورها، على عتبة استقبالها ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد للمرة الاولى منذ عشر سنوات، وستستقبل ايضاً وزير خارجية البحرين عبد اللطيف الزياني عما قريب، ولذا لا يمكن الحديث عن الزيارة من دون الاحاطة بما تقدم وبمعزل عما ستشهده الايام المقبلة من محادثات اميركية ايرانية في فيينا، واستضافة العراق لمباحثات ايرانية سعودية، وسعودية سورية، فهل هو حراك في الوقت الضائع ام محاولة البحث عن دور تريده من خلال بحث مسألة النازحين، ليكون مدخلاً لحراك سياسي تركي في الشرق الاوسط؟
بعد انفجار المرفأ عرضت تركيا مساعدة لبنان واعادة اعمار مرفأ بيروت في محاولة لتوسيع دورها المتوسطي، وتولي اهتماماً بقضية النازحين السوريين، وتحاول ان تكون الممر الالزامي للغاز ولذا لم يرق لها خط الغاز الذي يمر عبر البحر المتوسط ويربط اسرائيل بأوروبا مروراً بقبرص واليونان، وحاولت منعه. انكفأ العرب عن لبنان، فأطلت تركيا التي خسرت اوراقها سابقاً في ليبيا وسقط مشروعها في المنطقة العربية عموماً. هي محاولة قد لا تجد صدى يتجاوز مدة الزيارة، فالزائر قد لا يعود بأكثر من اتفاقيات تبادل تجاري وحسن استقبال وعبارات ودّ متبادلة، وهذا لا ينقص من اهمية مؤازرتها للبنان في وقت شدته.