جاء في العرب اللندنية:
تواجه القوى السّياسيّة والسلطة في لبنان تحدي التحضير للانتخابات البرلمانية القادمة في وقت قياسي، رغم وجود مخاوف كبيرة من تأجيلها في ظلّ أزمات مفتوحة على مختلف الجبهات بالبلاد، على رأسها الأزمة الاقتصاديّة.
وحتى اليوم، لا تزال الانتخابات النيابيّة اللّبنانيّة قائمة في موعدها بتاريخ السابع والعشرين من مارس 2022، بعد أن كانت مقررة في الثامن من مايو المقبل.
وبينما يرى المجتمع الدولي أنّ الانتخابات النيابيّة جوهريّة لنجاح أجندة الإصلاح، ويؤكد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّ الانتخابات ستُجرى حتما قبل انتهاء الدّورة البرلمانيّة في الحادي والعشرين من أيار المقبل، يتخوف المجتمع المدني اللبناني من تأجيل للانتخابات أو إعادة انتخاب الأحزاب السياسية التي تحكمت في البلاد وقادتها نحو وضعها الحالي المأزوم، وربما تحكّم الفساد والرشاوى في مسار العملية الانتخابية.
وبدأت الأحزاب اللبنانية بالفعل التحضير للانتخابات النيابيّة، إذ تحوّلت مكاتب الكثير منها إلى خليّة نحل استعدادا لخوض المعركة الانتخابيّة.
وتقول مصادر إن منصّة تسجيل المغتربين اللّبنانيّين للمشاركة في الاقتراع تشهد إقبالا كبيرا، إذ تجاوز عدد المسجَّلين 100 ألف (تنتهي مهلة التّسجيل في العشرين من نوفمبر الحالي)، أي فاق عدد الناخبين المسجَّلين للاقتراع في الخارج عام 2018، والذي بلغ 82 ألفا و965 ناخبا، اقترع منهم 46 ألفا و799 فقط.
وتكشف ديانا البابا، منسّقة البرامج في “الجمعيّة اللّبنانيّة من أجل ديمقراطيّة الانتخابات” (لادي) غير الحكومية، عن المخاوف الّتي ترافق العمليّة الانتخابيّة في لبنان.
وتأسّست مؤسسة “لادي” في لبنان بمبادرة من مجموعة ناشطي مجتمع مدني في العام 1996، ومن أهدافها مراقبة سير العمليّات الانتخابيّة على مختلف أنواعها، وإصدار تقارير مفصّلة حولها.
وتشير البابا إلى أنه بعد التمديد للمجلس النيابي في الحقب الماضية، بات السؤال عمّا إذا كانت ستُجرى الانتخابات، يرافق كلّ عمليّة انتخابيّة؛ علما أنّ هذا الاستحقاق دستوري ويجب عدم التعامل معه باستخفاف.
وكان من المفترض أن تُجرى الانتخابات النيابيّة الأخيرة في 2013، إلّا أنّه تم تمديد ولاية البرلمان حتى 2018.
وتضيف “لدينا تخوّف من عدم إجراء الانتخابات في موعدها، لكنّنا نشدد على أهميّة احترام المهل والدستور اللبناني”.
وتُعد أجواء البلاد الحسّاسة، على مختلف الأصعدة، واحدة من المخاوف لدى “لادي”. وتلفت البابا إلى أنّ لبنان وضعه حسّاس ويمرّ بأزمة اقتصاديّة غير مسبوقة، ما يمكن أن يؤثّر على كيفيّة تعاطي الأحزاب السّياسيّة مع الملف الانتخابي. وترى أنّ أيّ مشكلة أمنية يمكن أن تعرّض العمليّة الانتخابيّة للتأجيل.
ولا تبدو الأوضاع الأمنية مستقرة بما يكفي في بيروت، فالشهر الماضي اندلعت مواجهات مسلّحة في شارع الطيونة، الواقع بين منطقتَي الشياح (ذات الغالبيّة الشيعيّة) وعين الرمانة ـ بدارو (ذات الغالبيّة المسيحيّة) في بيروت، أسفرت عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 32 آخرين.
وبدأت الأحداث المأسوية بإطلاق نار كثيف خلال تظاهرة نظّمها مؤيّدون لجماعة حزب الله وحركة أمل (شيعيّتين)، للتنديد بقرارات المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وُضعت الإجراءات التحضيريّة للانتخابات النيابيّة على السكّة، وبدأ وزير الدّاخليّة العمل بجديّة لتأمين مستلزماتها.
وتبلغ تكلفة الانتخابات نحو عشرة ملايين دولار، بحسب تصريح لوزير الدّاخليّة والبلديّات بسام المولوي. ولتوفير الموارد المالية اللازمة، يجري الوزير اتصالات ولقاءات مع منظّمات الأمم المتّحدة والاتحاد الأوروبي، لتأمين تمويل إدارة الانتخابات بما لا يمسّ بالسّيادة الوطنيّة، داعيا المنظّمات الدّوليّة والمحليّة إلى مراقبة الانتخابات.
أمّا عن التخوّف من عرقلة إجراء الانتخابات لعدم القدرة على تأمين التمويل، فشدّدت البابا على أنّ انهيار العملة اللّبنانيّة واستنزاف خزينة الدّولة، يجب ألا يكونا حجّة لتأجيل الانتخابات، لأنّ مصير البلد متوقّف عليها، فهي أولى خطوات الإصلاح الّتي يطالب بها المجتمع الدولي.
ويتجهّز المجتمع المدني لدخول غمار الانتخابات للمرة الأولى بعد حراك تشرين الاول 2019، على أمل أن يكون صوت اللبنانيين المستضعفين في البرلمان.
وفي 2018، لم يستطع المجتمع المدني دخول مجلس النوّاب من بابه العريض، واقتصر حضوره على نائب واحدة استقالت في وقت لاحق، إثر انفجار مرفأ بيروت في الرابع من آب 2020. إلّا أنّ الانتخابات النيابيّة المقبلة ستكون على موعد مع وجوه جديدة مرشّحة من المجتمع المدني الذي بات يعرّف اليوم بـ”المعارضة السّياسيّة”.
ويلفت وضاح صادق، رئيس الهيئة التنفيذيّة لمجموعة “أنا خط أحمر” (غير حكومية) وعضو جبهة المعارضة اللّبنانيّة، إلى أنّ “مجموعات شاركت في ‘ثورة تشرين’، اجتمعت والتقت تحت ظلال معارضة سياسيّة جديدة في البلد، وهي تتحضّر لخوض الانتخابات المقبلة”.
ويوضح أن اجتماعات متتالية تُعقد من جانب المعارضة، بهدف التحضير لخوض الاستحقاق الانتخابي، من خلال تحالف واسع على مستوى كلّ لبنان، ويضمّ لوائح فيها 128 مرشّحا (على عدد نوّاب البرلمان)، وفيها المشروع التغييري للبلد.
وعن البرنامج الانتخابي للمعارضة “الجديدة”، يقول صادق “مشروعنا ليس إعادة بناء لبنان القديم أي إصلاح المؤسّسات، إنّما بناء بلد من جديد يملك السّيادة، وسلاحه بيد القوى العسكريّة، وقراره بيد حكومته، بالإضافة إلى إرساء المحاسبة والعدالة الاجتماعيّة وبناء مؤسّسات دولة حضاريّة”.
وبشأن كسب ثقة النّاس وأصواتهم بدل منحها للأحزاب التقليديّة، يقول “إذا لم يقتنع المواطنون بضرورة ألّا يدلوا بأصواتهم في الانتخابات لصالح الأحزاب التقليديّة، فالأفضل أن ننسى البلد”، مردفا أنه في حال أراد الشّعب الاستمرار في العيش كما هو عليه اليوم، أيّ بالذلّ، فهو حرّ لأنّ خياره ديمقراطي، لكن بعدها لا يحقّ له التّساؤل عن أسباب العيش بالذلّ وهجرة أطفاله.
ويعاني لبنان من أزمة اقتصادية حادة تفاقمت بعد انفجار مرفأ بيروت وتفشي جائحة كورونا، تسببت في فقدان الكثير من الأدوية وشحّ البضائع والسلع وأدخلت لبنان في ظلام دامس كما دفعت أبناءه إلى هجرته مرغمين.
ولا تخفي المسؤولة في “لادي” تخوّفها من استغلال الأحزاب للأزمة الاقتصاديّة الّتي يعاني منها المواطنون بهدف الحصول على أصوات انتخابيّة إضافيّة.
وتقول إن استغلال الأزمة الاقتصاديّة لتقديم خدمات للمواطنين، يعد نوعا من أنواع الزبانيّة، وبدأنا نراها بكثرة اليوم، ومن المرجّح أن ترتفع وتيرتها.
وتلفت البابا إلى أنّ الكثير من التّقديمات توفّرها الأحزاب، منها تأمين لقاحات كورونا، معونات غذائيّة، أدوية، مازوت وبنزين، موضحة أنّ هذه التقديمات تُستخدم لكسب شعبيّة أكبر، من دون اللجوء إلى عرض برامج انتخابيّة تقدّم مشاريع وحلولا لمشكلات النّاس.
ولا يغيب في كلام البابا الحديث عن التجييش الطائفي، إذ تقول إنّه “لفتَنا مؤخّرا استخدام اللّغة الطائفيّة والمذهبيّة”، وهي أحد المؤشّرات السلبيّة الّتي يمكن أن تنعكس على اختيار النّاخبين والنّاخبات.