كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:
العلاقات التجارية بين لبنان وتركيا قديمة، وهي تعود إلى العام 1991 عندما وقع الجانبان إتفاقية للتعاون التجاري والاقتصادي والصناعي والتقني والعلمي. ليعقبها في العام 2010 توقيع إتفاقية أشمل للشراكة تتعلق باقامة منطقة تجارة حرة بين الجمهوريتين ورفع الحواجز الجمركية. وذلك غداة زيارة رئيس الحكومة السابق سعد الحريري إلى تركيا، والتي تخللها توقيع عدد من الاتفاقيات؛ من بينها: اتفاقية إعفاء مواطني كل من البلدين من الحصول على تأشيرة الدخول المسبقة الى أراضي البلد الآخر. كذلك اتفاقية للتعاون في المجال الدفاعي. وأخرى للتبادل الصحي، الى جانب إتفاقية للتعاون الزراعي.
الميزان “طابش” لمصلحة تركيا
على الرغم من الاتفاقيات والمعاهدات مع تركيا، بقيت حصة لبنان من التجارة والسياحة البينية شبه معدومة. ففي الوقت الذي بلغت فيه قيمة الصادرات التركية إلى لبنان في العام 2020 حوالى 811 مليون دولار، لم يصدّر لبنان إلى تركيا أكثر من 86 مليون دولار. وفي العام 2019 صدّر لبنان إلى تركيا ما قيمته 61 مليون دولار فقط، في حين استورد منها بحدود المليار دولار. وذلك بحسب تقرير “التجارة الخارجية الصادر عن غرفة التجارة والصناعة والزراعة للعام 2020”. أما على الصعيد السياحي فقد استفادت تركيا من رفع تأشيرة الدخول لتستقطب في العام 2019 وحده أكثر من 350 ألف سائح لبناني في فصل الصيف. حيث تراوح معدل الرحلات المنطلقة من بيروت إلى مطارات “اسطنبول” و”أضنه” و”بودروم” بين 40 و45 رحلة يومياً في شهري تموز وآب وحدهما.
ليست بديلاً عن الخليج
في المقابل يحقق الميزان التجاري بين لبنان والسعودية فائضاً بقيمة 35 مليون دولار لمصلحة لبنان. ويصدّر إلى كل من الامارات وقطر ما قيمته 460 مليون دولار و142 مليوناً على التوالي، ما يمثّل 13 و4 في المئة من نسبة الصادرات. هذا فضلاً عن أن لبنان كان يستفيد سنوياً من وجود عشرات آلاف السياح العرب الذين يبلغ معدل إقامتهم حوالى 20 يوماً، وبمعدل إنفاق يصل إلى 5 آلاف دولار يومياً. هذا الواقع يجعل من الصعب على لبنان “إيجاد بديل عن الأسواق الخليجية”، بحسب معد الدراسة التحليلية لـ “إتفاقية الشراكة لإقامة منطقة تجارة حرة بين لبنان وتركيا في العام 2010″، وعضو المجلس الاقتصادي الاجتماعي د. أنيس بوذياب. فـ”طبيعة السوق الخليجي تختلف عن باقي الأسواق الأخرى، وتحديداً التركية. فالأخيرة تدعم أكلاف صناعتها، ولا سيما تلك المخصصة للتصدير. الأمر الذي يجعل من الصعب منافسة البضائع التركية في الداخل والخارج. هذا بالإضافة إلى أن تركيا تعاني من تراجع قيمة عملتها ما يؤثر أيضاً على انخفاض كلفة إنتاجها”.
أما على الصعيد الزراعي فتتمتع تركيا بمساحات هائلة وتنوع في الأقاليم الزراعية ما يتيح لها إنتاج أضعاف ما ينتجه لبنان. وباستثناء التفاح، فان تركيا لا تحقق اكتفاءً من الفاكهة والخضار والكرمة والبقوليات والحشائش ومختلف المنتجات الزراعية التي يتميز بها لبنان فحسب، إنما تصدر بنسب كبيرة. وعليه فانه من الصعوبة بمكان أن تشكل تركيا سوقاً للمنتجات الزراعية اللبنانية أيضاً”، برأي بوذياب.
“صين” الشرق الأوسط
التحوّل التاريخي الذي شهدته الصناعة التركية بعد العام 2001 نتيجة الإصلاحات السياسية والاقتصادية، أدّى إلى قفزة اقتصادية عملاقة. فتحولت تركيا إلى “الصين الشرق الأوسط”، بحسب توصيف نائب رئيس جمعية الصناعيين زياد بكداش. “ما يعني عملياً استحالة منافستها، لا في أسواقها، ولا في أي من الأسواق المشتركة. من هنا لا يمكنها أن تشكل بديلاً عن الأسواق الخليجية لتصدير المنتجات الصناعية اللبنانية”.
العراق قد يشكّل البديل، ولكن!
إن كانت هناك فرصة لتصريف المنتجات اللبنانية عاجلاً، فتتمثل بامكانية الانفتاح على السوق العراقي”، يقول بكداش. “لكن هذا يتطلب من الدولة إيجاد الحلول للكلفة الباهظة التي تفرضها سوريا على المصدرين، والتي تصل إلى 5000 دولار كبدل عبور الشاحنة من الحدود اللبنانية إلى الحدود العراقية”. خصوصاً أن سوريا عمدت في العام 2018 بالتزامن مع اعادة فتح المعابر إلى رفع رسوم العبور من 2 في المئة إلى 10 في المئة، تسدد بالدولار النقدي. ومع هذا “قد لا يشكل هذا السوق بديلاً عن السوق الخليجي بالارباح، إنما فقط بأحجام التصدير”، برأي بكداش. “وذلك نظراً للتفاوت الكبير في القدرة الشرائية بين دول الخليج والعراق. ما يجعل من الصعوبة بمكان تسويق المنتجات التي تتضمن قيمة مضافة مرتفعة في العراق. وعليه إذا جرى تذليل عقبة الترانزيت مع سوريا من الممكن للسوق العراقي أن يكون بديلاً في أرقام التصدير وليس بالارباح”.
القضاء على الصناعة
في المقابل يعتبر الصناعيون أن توسيع العلاقات ورفع الرسوم الجمركية مع تركيا والمعاملة بالمثل سيقضيان على الصناعة اللبنانية نتيجة سياسة الإغراق التي تعتمدها تركيا. هذا عدا عن الكميات الهائلة من البضائع التركية التي تدخل تهريباً من الحدود اللبنانية السورية. فـ”الصناعة التركية لطالما كانت المنافس الأكبر للمصانع اللبنانية في كل الأسواق العربية”، بحسب بكداش. و”من المستحيل أن تحل مكان الأسواق العربية والخليجية. فعدا عن ان أرقام التصدير من لبنان إلى تركيا منخفضة جداً، فان أغلب الصادرات هي عبارة عن مخلفات “WASTE” أي كسر الورق والبلاسيك وغيرهما. “فعلياً لا يوجد صناعات محلية قادرة على تصدير بضائعها إلى تركيا”، يقول بكداش. التكامل ممكن
إذا كان من شبه المستحيل منافسة الصناعة والزراعة التركية، فهذا لا يعني انعدام إمكانية الاستفادة من التعاون الاقتصادي. حيث بامكان لبنان التكامل مع تركيا في بعض الصناعات”، بحسب د. أنيس بوذياب. و”ذلك من خلال تقديم لبنان الأفكار الخلاقة المشهور بها في الابتكار والتصميم، وخصوصاً في مجالات الملبوسات والأحذية والمجوهرات… وغيرها الكثير، وتنفيذها في تركيا نظراً لما تتمتع به من انخفاض في كلفة الانتاج وتوفر اليد العاملة الرخيصة”. ومن المهم برأي بوذياب “في حال تعزيز العلاقات مع تركيا استغلال لبنان لميزاته التفاضلية، والاستفادة من قدرته على الابداع في مجال التكنولوجيا المتقدمة وتسويقها في تركيا. فهذا النوع من الصناعة يعتمد على القدرات الفردية والمؤهلات العلمية ولا يتطلب مساحات ورساميل كبيرة ويعود على الاقتصاد بالدولار النقدي”.
إن كان لا بد من أقامة علاقة ندية مع تركيا فعلى لبنان الاستفادة من السوق التركي الكبير لتسويق المنتجات التقنية من تطبيقات وبرامج وحلول معلوماتية. الأمر الذي يساهم بتكبير حجم مساهمة اقتصاد المعرفة بالناتج المحلي حيث ما زالت مساهمته لليوم بحدود 1 في المئة فقط. وبهذه الطريقة يستخدم لبنان ميزاته التفاضلية لخلق القيم المضافة وزياة فرص العمل وزيادة الناتج المحلي.