Site icon IMLebanon

“العالم الرقميّ للفتيات”: نساء في العاصفة

كتبت زينب حمود في الأخبار:

تلاحق النساء «لعنة» الصور النمطية التي يساهم المجتمع في تعزيزها. المرأة، أياً تكن مكانتها، هي في النهاية من «ضلع الرجل» أو «ناقصة عقلٍ» أو محجّمة بأدوارٍ محددة لها لا تستطيع تخطيها. ورغم محاولات سعت من خلالها النساء للخروج من «القالب»، إلا أنهن لم يتحررن نهائياً من النظرة السائدة ومن العقبات التي تكبّل طريقهن، والتي ازدادت مع دخول المرأة بوابة العالم الافتراضي. وفي سياق العمل على تغيير تلك النظرة، نظّم برنامج الصحة الإنجابية والجنسية والحماية من العنف القائم على النوع الاجتماعي في «مؤسسة عامل الدولية» معرضاً لمناسبة اليوم العالمي للفتاة بعنوان «العالم الرقمي للفتيات»، روت فيه مجموعة من الفتيات قصصهن في غرفة «فايسبوك» في المعرض الذي تخلّله عدد من الغرف أُطلق على كل منها اسم أحد مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «إنستغرام»، «تيك توك» و«واتساب». والهدف إيصال رسالة مفادها أن «المرأة قادرة على النجاح وتحدّي الظروف الصعبة التي تمر بها في المجتمع الواقعي أو الافتراضي».

يقول منسق البرنامج محمد عامر لـ«الأخبار» إن هدف المعرض «لم يكن فقط عرض القصص، وإنما أوضحنا في كل غرفة من الغرف الخمس كيف نؤمّن مساحة آمنة للتعبير ونحمي أنفسنا عند التعرض للابتزاز أو التحرّش، لأن الهدف من المعرض هو سدّ الفجوة الرقمية بين الجنسين وضمان وصول الفتيات بشكل متساوٍ إلى الأجهزة الرقمية والمهارات والوظائف ذات الصلة بالتكنولوجيا إضافة إلى تفعيل وتمكين أصوات المراهقات حول العالم». وأعلن البرنامج خلال المعرض إطلاق حملة لمناهضة العنف الاجتماعي ضد المرأة في 25 الجاري وعلى مدار 16 يوماً، سيُطلَق خلالها تطبيق خاص بالصحة الإنجابية والجنسية والحماية من العنف ضد المرأة، و«سيحتوي على معلومات على شكل صور وفيديوهات ومقالات مكتوبة تركز على ثلاثة محاور: التغيّرات التي ترافق مرحلة المراهقة وكيف نستعد لها جسدياً ونفسياً، وأنواع العنف الذي قد تتعرض إليه الفتاة أو المرأة والجهات التي تراجعها عند التعرّض، ووسائل منع الحمل وتنظيم الأسرة ومعلومات حول الصحة الجنسية والإنجابية». وفي ما يأتي خمس قصصٍ لخمس فتياتٍ واجهن التحرّش والتمييز والتنمّر، إلا أنهن لم يلتزمن الصمت، وقرّرن أن تكون قصصهن «ملهمة».

ناتالي: من التحرّش إلى «معالجة نفسية»

في الثامنة من عمرها، تعرّضت ناتالي لتحرش جنسيّ على يد ابن الجيران. كانت تهرب من منزلها الذي «ينقصه الحبّ والحنان ويملأه التمييز الجندري»، إلى بيت جيرانها، حيث كان الشاب ابن الثمانية عشر عاماً يأخذها بعيداً عن ناظري شقيقها ويتحرّش بها. في ذلك العمر المبكر، لم تكن الصغيرة تعي ما الذي يحصل معها، إلا أنها كانت تعرف أن ثمة شعوراً من عدم الارتياح يجتاحها وهي بين يدَي ابن الجيران. بدأت الطفلة تفقد الراحة تماماً وتأثّرت صحتها النفسية، إلا أنها لم تستطع أن تصارح أحداً لأن «أهلي علّموني أن من المعيب الحديث عن المواضيع الجنسية».

لم يكد «الفصل الأول» من التحرّش ينتهي، حتى بدأ الفصل التالي مع ابن عمتها عندما كانت في الحادية عشرة من العمر. كان يدعوها الأخير إلى غرفته ويقفل الأبواب ويعرض لها أفلاماً إباحية… ثم كان «الفصل الثالث» عندما غادرت قريتها الشمالية للعمل في مكتب لتأجير السيارات في بيروت، حيث تعرّضت أيضاً للتحرش على يد صاحب العمل.

كل تلك الفصول المتعاقبة، تخطّتها ناتالي وباتت قادرة على المواجهة، من خلال فضح أي محاولة للتحرش بها. واليوم هي بصدد فتح عيادة للعلاج النفسي لتستمع إلى مشاكل الآخرين، الأمر الذي لطالما حُرمت منه. أما رسالتها للأمهات، فهي «بدل أن تعلّمن أولادكن أن الحديث عن الجنس من المحرمات، تحدّثن إليهم واعملن على توعيتهم».

منى: لستُ «حسن الصبي»

منذ صغرها، تحلم منى يعقوب بأن تصبح لاعبة كرة سلة، لكنها اصطدمت بـ«تمييز» المجتمع لها على أساسٍ جندري، بدءاً من عائلتها التي «تشكّك في جدية خياري في أن أكون لاعبة كرة سلة»، مروراً بمن يسخر من ارتدائها للزي الرياضي وينعتها بـ «حسن الصبي»، وصولاً إلى المشكلة الكبرى التي تعاني منها هي محاولاتها الحثيثة لتثبت للشباب الذين تلعب معهم أنها قادرة على اللعب وتحقيق أهداف رغم أنها مختلفة عنهم جنسياً. كل تلك المشاكل تجعلها دائماً في حالة ضغط نفسي وخوف شديدين خلال المباريات، فهي غالباً ما تكون الأنثى الوحيدة بين اللاعبين، لذا يتم اختيارها فقط عندما يكون الفريق بحاجة إلى لاعبٍ يكمل به العدد، والمشكلة هنا أنه «إذا خسر فريقي أكون أنا المسؤولة، أما إذا ربح فيسخرون من الخصم باعتبار الفريق الذي يضم فتاة ربح عليهم».

مع ذلك، لم تثن هذه التحديات منى عن متابعة تمارينها وخوض اللعبة باستمرار، ومن إطلاق منصة باسم “play in her shoes”، لتغطي أخبار رياضة النساء بعد أن اكتشفت أنها «لا تتعدّى الـ 4% من مجموع الأخبار الرياضية».

سارة: الأرملة التي «خاطت» مستقبلها

تحدّت سارة حكم المجتمع على الأرملة الذي يلزمها بالعودة إلى منزل أهلها والابتعاد قدر الإمكان عن العالم الخارجي عقب وفاة الزوج. لم تفعل ما يُمليه عليها المجتمع، وهي التي كانت بالكاد تبلغ الثامنة عشرة من عمرها، إذ رفضت الانتقال إلى منزل أهلها وقررت أن «تواجه» مجتمعها وتعمل لتعيل أسرتها المؤلفة من ثلاثة أطفال. تعلّمت الخياطة، ثم امتهنتها. وخلال عملها في أحد المشاغل، استغلّ صاحب العمل وفاة زوجها وحاجتها إلى المال ليتحرش بها، وتقول «دعاني إليه ذات مرة وأخبرني أنه لم يعد يحتاج إلى خدماتي، فبكيت في مكتبه، ثم اشترط عليّ أن نصير صديقين فأحضر إلى العمل باكراً قبل وصول باقي العاملات لنحتسي القهوة وندردش». فهمت نواياه، لكنها فضّلت ألا تتخلى عن عملها «لأنني واعية»، فوافقت على عرضه. في إحدى «الصبحيّات»، حاول التحرش بها، فصدّته وقررت ترك العمل. لكنه هدّدها قائلاً: «عندما أنشر الصور التي تجمعنا في جلساتنا الصباحية لن يرحمك أحد». كل ما فعلته أنها واجهت تهديداته بالاستخفاف وغادرت العمل، لتبدأ عملها من منزلها بعد أن أتقنته وجمعت ثمن ماكينة الخياطة.

رندة: الطفلة التي صارت أماً

في الثالثة عشرة من عمرها، تخلّت رندة عن طفولتها وخضعت لقرار العائلة بتزويجها وترحيلها إلى سوريا «عنوةً». بدأت معاناتها منذ الليلة الأولى للزواج عندما وجدت نفسها لا تعرف عن تلك الحياة إلا جملة واحدة حملتها معها من أمها «هذا زوجك عليك أن تطيعيه».

في الفترة الأولى من الزواج، لم يتقبل الزوج «تقصير» رندة في واجباتها المنزلية وتفضيلها اللعب على تحضير الطعام أو ترتيب المنزل، فكان يغضب منها ويصرخ بها، أما هي فمثّلت دور المطيعة، ولم تردّ «لأكسب ثقته علّه يحقق حلمي ويعيدني إلى المدرسة». صارحت زوجها بحلمها فـ «جنّ جنونه» لأن «دوري إنجاب الأطفال وتربيتهم فقط». لذلك، قامت رندة بـ«دورها». أنجبت طفلها الأول، لكن لم تكن التجربة بتلك السلاسة إذ كادت تفقد حياتها وحياة جنينها بسبب تعرضها لنزيف داخلي أثناء الولادة. عقب تلك التجربة، شعر الزوج بالذنب تجاه زوجته التي لم تكن جاهزة بيولوجياً للحمل، فوافق على عودتها إلى المدرسة. تقول رندة: «حصلت على ما أريد بفعل إصراري ولا أزال أواجه كل من يحاكمني لعدم اقتناعهم بقدرتي على أن أكون أماً وطالبة في آنٍ».

ساجدة: «ثائرة» من داخل «السجن»

تواجه ساجدة شاهين الصورة النمطية التي يسوقها المجتمع حول المرأة المحجّبة وخاصة التي ترتدي «الشادور»، واعتبارها «مكبّلة بالسواد وذات روح قاتمة وفكر محدود». عندما كانت مسؤولة عن العلاقات العامة والأنشطة في معهد الآفاق، قدّمت إحدى مسابقات المعهد أمام حشد من مدراء الجامعات والمدارس ممن ينتمون إلى ديانات مختلفة، واستطاعت أن تجذب الحضور بعباءتها «رغم أنهم انهالوا عليّ بنظراتهم المتعجّبة من تحت النظّارات». ثم تعرّضت للتنمر على خلفية مشاركتها صوراً تجمعها بمشاهير على صفحاتها على مواقع التواصل الاجتماعي لأنها «رغم عباءتها تتصرف كبقية الناس، وهذا ما يرفضه البعض». وأتت ردّة فعل والدها قاسية منساقة مع رأي المجتمع المعارض لسلوك ابنته من جهة و«تمرّد» ساجدة من جهة ثانية، فسجنها في البيت و«كبحني»، كما تقول. مع ذلك، لا تلوم والدها الذي تصرّف بعاطفة خوفاً عليها من «غضب المجتمع»… من «سجنها»، أبدعت ساجدة واخترعت أول دمية في العالم العربي مصابة بمتلازمة داون، وكرّت سبحة الاختراعات لتصل إلى ثلاث دمى نموذجية.