أكد وزير الثقافة محمد وسام المرتضى انه “على الرغم من الجهود التي بذلت في التنقيب عن آثار قصر شحيم الروماني ، لا يزال الموقع يخفي في أعماقه كثيرا من أوابد التاريخ، ولا يزال يهيب بالدولة والمنظمات الدولية والمؤسسات الثقافية المحلية والأجنبية، إلى مزيد من الاهتمام بهذا الإرث الثمين ليبقى أمانة محفوظة للأجيال القادمة”.
كلام المرتضى جاء في خلال رعايته اليوم الجمعة، حفل افتتاح قصر شحيم الأثري، بدعوة من بلدية شحيم، في إحتفال أقيم في باحة موقع القصر.
وقال: “شحيم، عاصمة إقليم الخروب، الشامخة على هضبات الصنوبر والسنديان والزيتون، المبحرة في لجج التاريخ باتجاه مرافئ المستقبل. البلدة التي صار الزمن في أرضها كتاب حضارات، والحارات التي بنت حجارتها الماضي، وبنى أهلها الدولة الحديثة . ها هي ذي تضمنا اليوم أهلا وأحباء في هذا الموقع المعروف لدى أهالي المنطقة باسم “قصر شحيم” الذي يحتوي على أبنية بدأ تشييدها في القرن الأول قبل الميلاد تحت ظل الدولة الرومانية، وبقيت قيد الاستخدام في العصر البيزنطي حتى بدايات الفتح العربي في القرن الثامن بعد الميلاد”.
وأضاف وزير الثقافة: “معالم ازدهرت قرابة ألف عام، ثم سيطر عليها صمت الأطلال زهاء ألف آخر، حتى قدم من فرنسا إلى بلادنا المؤرخ والكاتب إرنست رينان فزارها ونقب في ذاكرة حجارتها ومسح عنها غبار النسيان فكانت أول إشارة إليها في كتابه المنشور عام 1864. وبعد مضي حوالي قرن، نشر الأب اليسوعي الفرنسي موريس تالون عام 1959 تقريرا عن زيارته إلى شحيم وقصرها، وقد أسس هذان الفرنسيان للاهتمام اللبناني الرسمي بها. من هنا، ونظرا الى أهمية الموقع الحضارية، باشرت المديرية العامة للآثار في سبعينيات القرن الماضي عملية استملاك هذا القصر للمنفعة الثقافية العامة، كما بدأت بالكشف عن بعض المعالم الأثرية فيه وشرعت في إعادة بناء أجزاء مهدمة من المعبد الروماني”.
وتابع: “في عام 1996، كشفت عن معالم أثرية مطمورة تحت تراب الموقع، أعمال تنقيب باشرت بها بعثة مثلثة مشتركة، قوامها المديرية العامة للآثار، والمركز البولوني لآثار البحر المتوسط في جامعة فرصوفيا، والمعهد الفرنسي لآثار الشرق الأوسط. وبنتيجة هذه الكتابات والتنقيبات تبين أن الموقع مجمع ريفي قديم، قائم عند سفح هضبة، تكاد حفائره أن تنطق بحياة ساكنيه اليومية ونشاطاتهم الاقتصادية ومعتقداتهم الدينية. إذ يطالعنا من القرن الثاني الميلادي معبد روماني قروي صغير مبني على الطراز الكورنثي متميز بالنقوش المنحوتة على جدار واجهته وبمدخله المزين بالزخرفات. فلما سبرت أرضيته ظهرت سويات فارسية وهلنستية عثر فيها على تمثال من البرونز. وتطالعنا من العصر البيزنطي كنيسة ريفية صغيرة ذات ثلاثة أروقة وصفين من ستة أعمدة، مرصوفة أرضها بطبقتين من الفسيفساء. كما تطالعنا بقايا منازل ومعاصر، حتى لمن الممكن إعادة تصور الحياة اليومية والنشاط المهني لسكان قرية قديمة استمرت مأهولة خلال الحقبتين الرومانية والبيزنطية. ولكن، على الرغم من الجهود التي بذلت في التنقيب عن آثاره، لا يزال الموقع يخفي في أعماقه كثيرا من أوابد التاريخ، ولا يزال يهيب بالدولة والمنظمات الدولية والمؤسسات الثقافية المحلية والأجنبية، إلى مزيد من الاهتمام بهذا الإرث الثمين ليبقى أمانة محفوظة للأجيال القادمة”.
وأردف المرتضى: “اليوم إذ نفتتح “موقع شحيم الأثري” أمام العموم ندعو جميع اللبنانيين إلى زيارته واكتناه الزمان المتجلي في حيطانه وحجارته، كي تضاف إلى الأهمية التاريخية لهذا المعلم الأثري، أهمية تحقيق التنمية المستدامة في المنطقة، وذلك من ضمن استراتيجية عامة تنتهجها وزارة الثقافة، لربط المسارات السياحية الثقافية المتجاورة بعضها ببعض، كقصر شحيم وقلعتي صيدا وموقع أشمون ودير القمر وبيت الدين. فإنما ينبغي للاستثمار في الثقافة أن يكون من أهم الأعمدة في هيكل الاقتصاد في لبنان الذي لا تخلو قرية فيه من أثر تاريخي. إنه غنى واجبنا حمايته واستغلاله ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا”.
وأضاف: “أذن البلال فأتينا لنفتخر بأحجار عزيزة على قلوبكم جميعا وبالأخص على الحجار ….ونحن في شحيم ….وشحيم على مستوى الإيمان بهذا الوطن قيمة وكيانا هي كتاب صلاة…. وعلى مستوى التنوع والشراكة الصادقة الحقيقية مدرسة في حسن الصلات ومتانة العلاقات…. وعلى مستوى حب العلم ورفد المؤسسات أنموذج لخير الإنبات…. شحيم لأعداء هذا الوطن جحيم…ولا عدو أمضى عليه من الجهل والتقوقع…. وهي لهذا العدو بالعلم والإنفتاح نقيض… شحيم قيل فيها أنها كتاب صلاة وخصوبة وأنا أضيف بأن “قصرها هو عنوان الكتاب.”
وختم بالقول:” هنيئا للبنان شحيمه وأهلها ….وهنيئا لشحيم افتتاح قصرها….ودامت منارة تشع خيرا وحضارة”.
وكان استهل الاحتفال بالنشيد الوطني، ثم ترحيب من الإعلامية سهى شعبان، فكلمة رئيس بلدية شحيم احمد فواز الذي طلب بداية الوقوف دقيقة صمت على روح المرحومين رئيس البلدية الأسبق العميد عفيف شعبان وعضو المجلس البلدي يحي شحادة، ومن ثم تلاوة سورة الفاتحة .
وأشار فواز الى “ان افتتاح القصر الروماني في شحيم، هو عرس كبير، لما لهذا المعلم السياحي من أهمية”، داعيا وزير الثقافة إلى دعمه.
وشكر وزير الثقافة على رعايته افتتاح القصر في شحيم، كما شكر السفير البولوني ودولته، وجامعة فرصوفيا، الذين يعملون في التنقيب في قصر شحيم منذ العام 1996.
وتوجه بالشكر الى المدير العام لوزارة الثقافة سركيس خوري، والذي عمل بصمت ولسنوات عدة، وكذلك السيدة إفراز الحاج. كما شكر نواب المنطقة ومخاتيرها لوقوفهم دوما إلى جانب منطقتهم. وخص بالشكر ايضا جمعية الصداقة الفرنسية – اللبنانية، وجمعية ” ليبا” التي أصدرت طابعا بريديا يحمل اسم وصورة قصر شحيم الروماني.
وأكد فواز” أن شحيم هي بلد العلم”، لافتا إلى “أن المجلس البلدي أخذ على عاتقه تجميل شوارع البلدة، فضلا عن تنفيذ مجسم عن مكتبة على طريق مجاز شحيم، وتوج مشروع التجميل بافتتاح قصر شحيم أمام العموم”، مؤكدا “أن شحيم ستبقى مدينة للعلم، على أن تصبح في المستقبل مدينة سياحية ايضا بجهود أبناء المنطقة”.
وتطرق للحديث عن جائحة كورونا التي حالت دون تنفيذ مشاريع، لافتا الى “أن البلدية أنشأت خلية ازمة وفريقا طبيا مشهودا له”، مؤكدا “أن راعي خلايا الأزمة في الإقليم والشوف كان “الأب الحنون” وليد جنبلاط، الذي فتح مراكز الحجر لمرضى كورونا، وجهز مستشفيات إقليم الخروب والجبل بأقسام ” كورونا”، وهذا أمر ليس بجديد عليه”.
ونوه فواز، بالنائب بلال عبدالله وسهره الدائم وعمله خلال جائحة كورونا، ونواب المنطقة. وأعلن “أن القصر الروماني في شحيم متصل بقرية تراثية تسمى الحارة الشمالية، وهي بحاجة إلى اهتمام”، داعيا النواب وأبناء البلدة الى المساعدة.
كما أثنى على جهود رئيس اتحاد بلديات إقليم الخروب الشمالي زياد الحجار وخاصة لناحية وضعه مخطط الخارطة السياحية لاقليم الخروب.
وختم بتوجيه الشكر للمؤسسات الدولية التي تساعد البلدية في بعض المشاريع، ولاعضاء وموظفي وعمال البلدية، وعمال قصر شحيم.
ثم ألقى النائب محمد الحجار كلمة بإسمه وبإسم النائب بلال عبد الله فأكد “أن كلمتهما دائما واحدة في كل المناسبات لكي نعطي لهذه المنطقة حقها”، وقال:” نحن اليوم أمام تحفة فريدة صنعها الانسان في هذه المنطقة بين القرنين الأول والسابع ميلادي بحسب ما علمنا،وبدأ التنقيب هنا في ستينيات القرن الماضي حيث تم استملاك حوالي 40 دونما في هذا الموقع لتستكمل بعد ذلك مديرية الآثار العمل الذي توقف في الحرب الاهلية، ليتم بعدها الاتفاق بين المديرية العامة للاثار والمعهد الفرنسي لدراسات الشرق الاوسط وجامعة فرصوفيا والمباشرة في التنقيب في العم 1996.
واشار الى انّ “تطوير هذا المعلم ومعالم أخرى جاء ضمن رؤية وضعها الرئيس الشهيد رفيق الحريري، مع وصوله الى الحكم، عبر تطوير وتأهيل البنية التحتية اللازمة لكي تواكب الانماء على مستوى القرى والبلدات، وهي المقاربة التي أرادها الرئيس الشهيد وأنتجت إعمارا توقف بعد الاستشهاد حتى وصلنا الى ما وصلنا اليه اليوم”.
ولفت الى انّ “المطلوب يا معالي الوزير متابعة تطوير هذا المعلم والتنقيب عليه وليس فقط في شحيم، إنما مختلف المعالم الأثرية الموجودة بكثرة في اقليم الخروب وخاصة في الجية وبرجا، نعرف أن الامكانات الحالية محدودة، انما المطلوب هو جهد إضافي والإقدام لديك هو ما يشجعنا لكي نطلب منك أكثر ولتساعدنا في هذه المنطقة ونحصل حقنا في التنقيب عن كنوز ومعالم أثرية مميزة عندنا”.
واستذكر الحجار مشروعا ممولا من البنك الدولي سمي “الارث الحضاري” منذ حوالي العشر سنوات، والذي لحظ تطوير البنى التحتية لخمس مواقع ومدن تضم آثار على مستوى الجمهورية اللبنانية، وبأنه أخذ وعدا آنذاك بأن يلحظ مشروع الارث الحضاري رقم 2 منطقة اقليم الخروب وبالتالي نواكب هذه الاثار الجميلة ببنى تحتية تسهل التنقل، وبالتالي وضع هذه المنطقة على الخارطة السياحية اللبنانية”.
وأكد أنه ومع النائب عبد الله زارا وزير السياحة الذي “وعد بزيارة المنطقة في القريب العاجل، لذلك فنحن نتمنى أن يصار الى توافق بينكم كوزراء في هذه الحكومة لوضع هذه المنطقة على الخارطة السياحية وبالتالي نستثمر هذا المعلم في تنمية وسد حاجات هذه المنطقة وتطويرها”.
كما طالب الحجار باعادة “السيفساء” التابعة لإثار شحيم والموجودة في مطار رفيق الحريري، مشددا على ضرورة إقامة سور يحفظ هذه الاثار ويحميها من التعديات.
وختم الحجار كلمته بشكر بلدية شحيم على مر السنوات لمواكبتها عملية التنقيب مع البعثة البولونية وكل من شارك في هذا النشاط، قائلا: هذه الحجارة القائمة ترتاح فوق حضارات تفاعلت فيما بينها وتأثرت وتحاورت ولم ولن ينقطع هذا الحوار، والأحرى والأجدى بنا في هذه الظروف العصيبة أن نتحاور في ما بيننا كأطراف وقوى سياسية ومجتمعية ونضع مصلحة الوطن والمواطنين أولا، فالبلد يمر بأزمة خطيرة جدا والكلام لا يوصف حالة الفقر والعوز الذي يطرق باب معظم اللبنانيين، والتي آخرها بعد رفع الدعم عن الدواء بحيث اصبح الفقير ميتا حكما، كارثة تلو الكارثة تحل على هذا البلد للأسف، والمطلوب بشكل سريع جدا انعقاد مجلس الوزراء ليأخذ القرارات الملائمة ويقر خطة تعاف إقتصادية تقدم الحلول ولو بالحد الادنى لوقف هذا الانهيار وتتفاوض بشأنها مع صندوق النقد الدولي لتنال موافقته وتضع البلد على سكة الخروج من هذا النفق المظلم”.
وكانت كلمة للسفير البولوني الذي أكد “استمرار اعمال التنقيب”، لافتا الى أهمية الموقع .
وبعد الكلمات تم إزاحة الستار عن لوحة تذكارية بالمناسبة وضعت عند مدخل القصر وكتب عليها “برعاية وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى وحضور المجلس البلدي برئاسة أحمد محمد فواز تم افتتاح قصر شحيم االاثري بتاريخ 19 /11 /2021 “.
بعدها قص المرتضى والحضور شريط افتتاح القصر، ثم جال في الموقع، واطلع على تاريخ القصر والحقبات التاريخية التي تعاقبت عليه، وتفقد الكنيسة البيزنطية والمعبد الروماني والمعاصر والقرية التاريخية وتفاصيلها التي مازالت ماثلة، وقد ابدى الوزير اعجابه بضخامة واهمية القصر، والذي يدل على اهمية تاريخ المنطقة ولبنان.
وفي ختام الجولة زرع وزير الثقافة شجرة زيتون في القصر، فيما اختتم الاحتفال بحفل كوكتيل، وتوزيع الهدايا على الحضور، والتي هي عبارة عن قنينة من زيت الزيتون في شحيم، والى جانبها صابونة بلدية.