ألقى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في خلال زيارته أمس الى مقر الاتحاد العمالي العام حجرا في البركة الحكومية الراكدة، كاشفا عن التحضير لعقد جلسة لمجلس الوزراء في وقت قريب – كما أبلغ رئيس الجمهورية ميشال عون في لقائهما الصباحي – من أجل البحث في جدول أعمال تجاوز عدد بنوده أكثر من مئة بند تتناول قضايا لطالما سعى الى ترتيبها وفق سلم أولويات اعتمد من خلاله على مجموعة اللجان الوزارية التي شكلها من أجل تحضيرها على اكثر من مستوى اقتصادي واجتماعي وتربوي ومالي بما فيها التحضيرات لإطلاق اكثر من برنامج.
انتظرت الأوساط السياسية ساعات قليلة لفهم الخلفيات التي استند إليها ميقاتي للكشف عن هذه الدعوة والجديد الذي بنى عليه قراره. فالجلسة باتت حاجة ملحة فمعظم التفاهمات والخطوات التي أنجزتها اللجان الوزارية تحتاج الى هذه المحطة. وقالت مصادر وزارية من فريق ميقاتي لـ”المركزية”، ان هناك حاجة ماسة لاصدار بعض القرارات التي تعني الشؤون الإدارية والمالية ومنها مشروع الموازنة العامة للعام 2022 تمهيدا لاحالته الى المجلس النيابي بالتزامن مع مجموعة من الاصلاحات الضرورية التي يحتاجها الفريق الذي يعد للمفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبعض الجهات والصناديق المانحة ولتسييل بعض القروض المجمدة وخصوصا تلك التي تحتاج الى عملية تدوير من أهداف كانت محددة سلفا الى غايات وأهداف أخرى أكثر إلحاحا.
وحتى ساعات متأخرة من مساء أمس كانت الأوساط السياسية تتحدث بخفر عن تفاهم جرى بين عون وميقاتي على ضرورة توجيه الدعوة الى هذه الجلسة وفق خريطة طريق تؤدي الى توجيهها نهاية الأسبوع الجاري أو منتصف الاسبوع المقبل على الأكثر ليكون عون وميقاتي في بيروت. ومرد هذا التوقيت ان ميقاتي سيتوجه الاربعاء المقبل الى الفاتيكان للقاء البابا فرنسيس وحيث يمضي يومين بين روما والفاتيكان. وما ان يعود الى بيروت سيكون عون الإثنين المقبل في قطر في زيارة تستمر ثلاثة ايام يلتقي خلالها امير قطر وربما كانت هناك لقاءات أخرى ان كان التمثيل في افتتاح الدورة الرياضية رفيعا.
عند هذه المعطيات توقف الحديث عن الظروف التي قد تسمح بتوجيه الدعوة من دون الاشارة الى اي تطور على الساحة الشيعية التي عطل وزراؤها اعمال مجلس الوزراء منذ الثاني عشر من تشرين الاول الماضي. وان كان هناك من يتحدث عن احتمال ان يتناول اللقاء الذي سيجمع عون وميقاتي برئيس مجلس النواب نبيه بري الإثنين المقبل على هامش الاحتفال بعيد الاستقلال في قصر بعبدا. لكن ما حملته المواقف المسائية ولا سيما ما جاء في خطاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم بدد الآمال باحتمال تلبية وزرائهم وحركة امل الدعوة اليها عندما قال بكل وضوح “نحن مع عودة الحكومة اللبنانية إلى الاجتماعات، بعد معالجة أسباب توقف الاجتماعات”. اي بانتظار ان يحسم القضاء موضوع المحقق العدلي طارق البيطار. وهو ما ألمح اليه بالهجوم على القضاء معتبرا ان “مشهد القضاء في لبنان مشهد غير صحي، وليس له علاقة لا بحادثة ولا بقاضي” انما “له علاقة بمنظومة قضائية كاملة تتداخل بطريقة غير عادية، يجب إعادة النظر وإيجاد حل، وإلا الواقع القضائي غير صحي”.
وعليه توقفت مراجع سياسية وقضائية عبر “المركزية” أمام كلام قاسم لتلفت النظر الى خطورة هذا الموقف. وهو ما فسرته عبر “المركزية” بالقول: يبدو بالنسبة الى حزب الله ان المشكلة التي كانت مع القاضي بيطار منفردا قد تحولت الى مواجهة شاملة مع السلطة القضائية كاملة، وهو ما لا يمكن ان يقبل به احد. فالجميع يدرك ان ما طالب به الثنائي الوزاري “أمل” و”حزب الله” من السلطة التنفيذية احيل الى السلطة القضائية، احتراما منها ولو كان شكليا لمبدأ الفصل بين السلطات. ولما بات الملف بيد هذه السلطة وحدها اي السلطة القضائية رفضت ما يطالب به الثنائي واثبتت عن وحدتها في رفض اي محاولة لتجاوز انظمتها وقوانينها وحد السلطة بين هيئاتها لمصلحة فريق ايا كان.
واستطردت مصادر قضائية لتقول ان ما يطالب به حزب الله يدمر السلطة القضائية ولا يحميها ولا يقدم لها الصحة والعافية وينهي المساعي المبذولة من أجل استعادة هيبتها التي أصيبت بندوب كبيرة منذ ان جمدت المناقلات والتشكيلات القضائية العام الماضي وادت الى مجموعة من الأزمات أبرزها تلك التي شلت مجلس القضاء الأعلى على مدى أربعة شهور قبل أن يستعيد نصابه القانوني بالحد الأدنى.
والى ذلك لا تتجاهل المصادر “الاسراف” المتمادي الذي لجأ اليه البعض في استخدام الحقوق القضائية في التحقيق العدلي في جريمة تفجير المرفأ ادى الى حرب داخلية تزامنت مع استخدام “القوة الفائضة” في الشارع واستباحت قصر العدل الذي تحول منصة للتهديد قبل ذلك بوقت بعيد، فأصابت وحدة الجسم القضائي مقتلا عن سابق تصور وتصميم. وهو ما انعكس على الآليات القضائية التي كان يمكنها ان تتجاوز مشاكلها الداخلية بكل سهولة. فالاحترام المتبادل بين المراجع القضائية كان ما زال قائما ولو من طرف واحد. وهو ما ترجمه قاضي التحقيق العدلي طارق البيطار وقبله القاضي فادي صوان الى اقصى الحدود فيما لجأ آخرون الى مخالفات لا يمكن “ابتلاعها” قضائيا.
هذا على المستوى القضائي أما على المستوى السياسي فيبدو ان الدعوة الى جلسة حكومية ما زال رهنا بحل قضية وزير الاعلام جورج قرداحي والتي لم تحقق الاتصالات الجارية في السر والعلن إلى اي تقدم باتجاه الحل. فبالرغم من الأجواء التي اوحت بامكان ان يقدم استقالته في الأيام القليلة المقبلة، وقبل مطلع الشهر المقبل لا يبدو ان هناك آلية واضحة حتى اليوم وان كان الخناق قد ضاق عليه من اكثر من جهة جعلته شبه معزول لولا موقف حزب الله.
واستنادا الى ما تقدم يبدو ان رغبة عون وميقاتي بعقد جلسة لمجلس الوزراء ولو بعد اسبوعين بعيدة المنال ولا يمكن تفسير “قنبلة” ميقاتي سوى انها عملية جس نبض لاستكشاف نتائج بعض المخارج المطروحة على مستويي إنهاء ملاحظات الثنائي الشيعي القضائية وميقاتي الحكومية المتصلة بمصير قرداحي ليتبين له بالوجه الشرعي انها فشلت جميعها وانه لا يمكن الرهان عليها، ما لم ولن تتغير المعطيات الخارجية قبل الداخلية.