كتبت هيام القصيفي في “الاخبار”:
لا يدخل التيار الوطني معاركه المتعددة، في نهاية العهد، كما دخلها في بدايته. فحلفه مع حزب الله لم يخفف في المراحل الأخيرة من أثقال يواجهها. ولو أن سقف الحلف الاستراتيجي لا يزال يغطي العهد ومرشحه للرئاسة
على عكس خصومه، وحتى حلفائه، يُكثر التيار الوطني الحر من معاركه الأساسية والجانبية. ففيما يحاول الخصوم والحلفاء تأطير معاركهم الآنية في أقنية المواجهة، يخوض التيار، عدا خصوماته التقليدية مع الرئيس نبيه بري والقوات اللبنانية، ثلاث معارك دفعة واحدة: عودة الحكومة إلى العمل، والانتخابات النيابية، والانتخابات الرئاسية. وعلى رغم أنه في المشهد العام يبدو منكفئاً عن الإطلالة والاستفزازات، إلا أن التيار يتحرك في الخطوط الخلفية. وبين المعارك الثلاث، تبدو مهمته شاقة، بقدر ما تكبر خطورة التحديات التي يواجهها في السنة الأخيرة من العهد.
فالمعركة التي قام بها رئيس التيار النائب جبران باسيل لتشكيل الحكومة، برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي، لم تكن من أجل الفكرة المبدئية بضرورة تشكيل حكومة فحسب، بل إن التيار المتوجس من السنة الأخيرة من العهد، وما بعدها، يحتاج إلى قوة دفع جديدة في الإدارة على مختلف مستوياتها، ديبلوماسية وقضائية وإدارية، وقد تكون أمنية كذلك، من أجل أن يبقي على وجود فاعل في كل هذه المؤسسات، حيال أي لحظة مصيرية. من هنا مثّل تعطيل مجلس الوزراء نكسة للتيار والعهد، لا سيما مع تعذر تجاوز هذا المطب سريعاً. لذا تفهم حركة عون وباسيل معاً من خلال التعبير في شكل واضح وعلنيّ محلياً، عدا عن توجيههما رسائل عربية ودولية، عن رغبة في استقالة وزير الإعلام. يحتاج العهد وباسيل إلى الحكومة واستعادة اجتماعات مجلس الوزراء بسرعة. فورشة التعيينات صارت أكثر فأكثر ملحة، سواء حصلت الانتخابات النيابية أم لم تحصل، بعدما كان انصرف التيار أخيراً إلى إعداد عشرات الملفات لمرشحيه إلى عدد من المناصب المختلفة، مطمئناً إلى قدرته على تجاوز أي مطبات واعتراضات عليها في مجلس الوزراء. وهو هنا لم يُظهر ارتياحاً إلى أداء حزب الله في تغطية موقف تيار المردة، لما في ذلك من انعكاس مباشر على استعادة العمل الحكومي، وهو كان يفضل احتواء الأزمة من جانب الحزب قبل توسعها لتصبح ذات أبعاد خارجية. فالقضية لا تتعلق بموضوع علاقات لبنان العربية، بقدر تأثيراتها الداخلية، إذ كان يفترض أن تكون الحكومة منصة لتعويم العهد وخليفته، وإنقاذ التيار نفسه بعد سلسلة من الهزات المتتالية. وكلما تأخرت الحكومة في استعادة جلساتها، زاد الثقل عليه، في وقت يحتاج إلى مختلف عناصر الدفع لتحضير كل أدوات المعركتين الانتخابية والرئاسية.
المعركة الثانية هي معركة قانون الانتخاب والانتخابات. يشكل قانون الانتخاب محكاً أساسياً للتيار، بعدما كان قبِل به في اللحظات الأخيرة قبل إقراره سابقاً. وهو اليوم يعيد الكرة بخوضه معركة في المجلس الدستوري بعدما تعذر عليه فرض ما يريد في المجلس النيابي. وكلام رئيس الجمهورية حول تمسكه بموعد أيار لإجراء الانتخابات، والذي لن يرضى عنه بديلاً، يفتح الباب أمام المجلس الدستوري كإيحاء مكشوف حول رغبة عون في الذهاب في معركة قانون الانتخاب إلى الحد الأقصى. وهذا الأمر سيتحول من الآن فصاعداً معركة متعددة الجوانب. فبين ارتفاع أعداد المغتربين المسجلين للانتخاب على أساس 128 نائباً إلى ما فوق المئتي ألف، واحتمال الطعن بهذا البند، وبين التحالفات التي بدأت تأخذ شكلاً جدياً بين خصومه كالقوات اللبنانية والتقدمي الاشتراكي، واحتمال انضمام تيار المستقبل إليهما، يصبح من الصعب على التيار التعامل مع الانتخابات كحدث انتخابي مجرد. في الأساس يعرف التيار أنه حصر نفسه في زاوية قلّ فيها عدد حلفائه، ولم يتبق له إلا القليل من العناصر التي تؤمن له شبكة تحالفات ليست كبيرة بما يكفي. وهو أكثر الذين يحتاجون إلى أشهر إضافية من أجل تعزيز تحضيراته، خصوصاً الداخلية بعد ظهور إشكالات وأنواع مختلفة من الامتعاض حول خريطة المرشحين الحزبيين. وعلى رغم وجود عناصر أساسية محقة في طعن التيار بتعديل قانون الانتخاب، إلا أن شد الكباش السياسي العام وحوْل القانون في شكل خاص، قد يجعل تطيير الانتخابات أمراً غير مستبعد، وهذا ما يريح التيار أكثر مما يريح غيره من الأحزاب التي تصر على الاستحقاق النيابي، وفي أقرب وقت ممكن. إلا أن العقبة التي لا تزال تعيق حركته تظهر في تمسك المجتمع الدولي بإجراء الانتخابات، والتيار في هذه المرحلة لا يحتاج إلى زيادة عدد خصومه خارجياً وتحميله والعهد مسؤولية تطيير الانتخابات.
ثالثاً الانتخابات الرئاسية. كل الطرق تؤدي إلى ما بعد انتهاء ولاية عون. وهذا هو الاستحقاق الأهم، ورسائل العهد وباسيل إلى الخارج تفتح الباب أمام تكهنات كثيرة بسيناريوهات تجعل من المحتم الذهاب إلى مناقشات مفتوحة حول النظام اللبناني، بما يجعل من استحقاق الرئاسة أحد عناصر الأزمة حينها لا كلها. وكلما ذهب عون وباسيل إلى تبريرات حول مستقبل الرئاسة ومواصفات الرئيس المقبل، زادت الشكوك لدى معارضيهما بأن المطلوب هو هوية النظام وليس هوية الرئيس.