Site icon IMLebanon

بلد بلا قضاء… أدغال بلا ضوابط

كتب فؤاد زمكحل في “الجمهورية”:

بعدما شهدنا الإستراتيجية المبرمجة والممنهجة بغية ضرب كل القطاعات الإنتاجية في لبنان، من القطاع المالي، والنقدي، والتجاري، والصناعي، والسياحي، والزراعي، والصحي، والتكنولوجي والخدماتي، إتجهت الأيادي السود إلى ضرب المنفذ والمخرج الأخير الذي كان قد تبقّى لنا في هذا البلد، وهو الإنفتاح على العالم والبلدان العربية المجاورة، التي كانت تمثل عوامات الخلاص للإقتصاد.

في الوقت عينه، تواصل الهجوم على الركن الأساسي والأخير والذي هو القضاء، الحامي للشعب والإقتصاد والإستثمارات والدستور، هادفين إلى إنهيار الهيكل كلياً.

نعيش اليوم في ظلّ هذه الإستراتيجية المتكاملة والفادحة، لتهديم كل أركان دولتنا وإقتصادنا، لكن أيضاً جذورنا وتاريخنا. إنّ الهجوم المؤذي على القضاء اللبناني ليس بريئاً وله أغراض واضحة وقطب مخفية. نذكر أننا كنا نطالب منذ سنوات عدة بإستقلالية القضاء، النقطة الأولى والأساسية لبدء الإصلاح وإسترجاع الثقة وجذب الإستثمارات، وإعادة النمو.

الجواب عن هذه المطالب المحقة، كان الرجوع راهناً خطوات إلى الوراء، وتفكّك القضاء، وتقسيمه سياسياً، وحزبياً، وطائفياً وجرّه إلى وُحول السياسة المتحركة، والتاريخية والتخريبية.

على القاصي والداني أن يعلم، أنّه من دون قضاء شفاف وعادل، وتحويله إلى قضاء مهترئ، يعني فقدان العدل والعدالة، والحماية والمحاسبة، والملاحقة والمحاكمة، فلا وطن من دون هذه الأركان، لكن فوضى وإنهياراً في غابة من دون ضوابط.

أساس القضاء لحماية الشعب، والشركات وتنفيذ القوانين، لكنه خصوصاً الحامي الأكبر للدستور. نعلم أنّ قضاءنا لم يكن بنّاءً ولا عادلاً بنسبة مئة في المئة، لكنه كان موجوداً ومتيناً، وكنا نلجأ إليه بثقة، ونحلم بإعادة تمكينه. أما اليوم، فالهجوم بكسره وتفككه وإزالته، بهدف ضرب ركن أخير لإنهيار سقف القانون والقوانين.

إذا ركّزنا على الجانب الإقتصادي للقضاء، من الواضح أنّه من أسس الإستثمار الداخلي والخارجي، ويُدرك تماماً كل ريادي أو ربّ عمل، أنّه قبل التركيز على الأرباح أو المردود على الإستثمار، ينظرون إلى قضاء عادل، وفاعل ومتين، ومركّزين على السيناريو الأصعب والأسوأ worst case scenario في حال فشل إستثمارهم ليستعيدوا حقوقهم. مهما كان المردود على الإستثمار أو الأرباح الفادحة، لن يجرؤ مستثمر واحد في العالم على أي إستثمار بأرضية ثابتة من دون قضاء وقواعد وقوانين أو حماية رسمية واضحة وشفافة ونزيهة.

نذكر أنّ كل الإتفاقات التجارية العالمية وأسس المنظمات الدولية، تبدأ وتشترط بكيفية حلّ النزاعات ووضع القوانين وحلّ كل القضايا الشائكة بين الأفرقاء، كنقطة إنطلاق أي تفاوض أو إتفاق تجاري أو إستثماري. فالهيكلية القضائية هي أساس الإقتصاد والتبادل التجاري والإستثمار، من دونها لا نمو، ولا تقدّم، ولا عيش كريم ولا سليم، بل فوضى وقهر وذلّ.

في الخلاصة، إنّ الهجوم المبرمج والممنهج على ركننا الأخير وهو القضاء، ليس بريئاً، لكن من ضمن الخطة التخريبية المتتابعة، والهادفة إلى إستبدال القوانين المركزية بقوانين موجّهة، وفق مصالحهم، بغية تسهيل العمليات المشبوهة وحكم المافيات.

أخيراً، نحن متمسكون بقضاء عادل وشفاف، الحامي للسلم الأهلي والدستور، وللشعب والإقتصاد والبلاد، ومهما لان وإنحنى لن ينكسر ولن يستسلم، وسقف القانون سيتلقّى الضربات لكن لن ينهار.