جاء في “المركزية”:
في التاسعة من صباح الغد، يعقد البابا فرنسيس لقاء خاصاً مع رئيس الوزراء نجيب ميقاتي. يحمل اللقاء في طياته الكثير من المعاني، أولاً في زمانه بما أنه يحصل في أسوأ مرحلة من تاريخ لبنان الحديث، وثانياً في مكانه، كون الفاتيكان من أكثر الجهات الداعمة للبنان والحريص على انتشاله من أزماته المتتالية. فما هي دلالات وأبعاد الزيارة؟
المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ يؤكد لـ”المركزية” ان “لا اهمية للزيارة بحد ذاتها فهي بروتوكوليّة طلبها ميقاتي، بل للرسائل التي سيسمعها الرئيس ميقاتي في الفاتيكان. فالكرسي الرسولي يلعب دور الدبلوماسية الفاعلة والصامتة لإنقاذ لبنان من خطر التدمير المنهجي لهويته ولصيغته الميثاقية وللدولة وللعيش الواحد”، لافتاً الى أن “الفاتيكان، على مر التاريخ كان ينظر إلى لبنان على أنه أكثر من رقعة جغرافية بل هو حاجة حضارية لتقديم نموذج متنور عروبي وعالمي في إدارة التنوع. من هنا علينا ان نقرأ أبعاد هذه الزيارة إنطلاقا من الاهتمام الاستثنائي للفاتيكان بلبنان الذي قال عنه البابا القديس يوحنا بولس الثاني “إنه أكثر من وطن انه رسالة” واعتبره البابا فرنسيس في 2 ايلول 2020 أنه “في خطر داهم”.
ويشير الصائغ إلى أن “التسريبات التي أتت من مصادر قريبة من رئيس الحكومة أنه سيحمل معه ملف اللاجئين، وملف الازمة مع الخليج، “تُثبت أنه ليس على دراية أبدا باهتمامات الفاتيكان الاستراتيجية في الموضوع اللبناني والاضاءات الكيانية على أن لبنان أُدخل في صراع محاور واحتُلت أرضه برهانات لا علاقة لها بهويته ولا بنموذجه الحضاري، وأن الرئيس ميقاتي أيضا لا يدرك موقف الفاتيكان من مسألة اللاجئين. وأول من ساهم بعدم إقرار سياسة عامة تجاه النازحين السوريين تحديدا، كانت حكومة الرئيس ميقاتي في العام 2011. الفاتيكان يتحدث عن البعد الانساني والحقوقي والقانوني للنازحين ويدرك العبء على لبنان، لكنه يرفض التعاطي الشعبوي والديماغوجي مع قضيتهم ويريد لهم العودة، ويعلم من يعرقل هذه العودة”.
أما بالنسبة إلى الأزمة مع الخليج، فيوضح الصائغ أن “الفاتيكان كان مساهما أساسيا مع المملكة العربية السعودية والمجتمع الدولي في اتفاق الطائف لإنهاء الحرب وهو دستور الجمهورية الثانية. ما يعني الفاتيكان ليس معالجة تداعيات الازمة مع الخليج بالمعنى الترقيعي، بل صون الهوية العربية للبنان. هذا اللبنان الذي هو واحة تنوع وحرية في الشرق الاوسط والعالم العربي، وواحة تعددية للعيش الواحد على المستوى الدولي”.
ويضيف الصائغ: “قد يخرج الرئيس ميقاتي ويقول كما يُسرب دوما ويُعلن أن هناك دعما إميركياً وفرنسياً وأممياً لحكومته، لكن الحقيقة أنه وبشكل دقيق سوف يصغي إلى هواجس الكرسي الرسولي من العمل المسيء للشعب اللبناني الذي تقوم به المنظومة السياسية التي تدفع باتجاه تيئيس الشعب اللبناني وتهجيره وتفريغه من الكفاءات وضرب كل قطاعاته الحيوية، هو الذي كان مستشفى العالم العربي وجامعته وكتابه وفكره ومصرفه… كل هذه القطاعات الحيوية تتعرض لعملية ضرب عن سابق تصور وتصميم، وهذا ينهي فرادة حقيقة فكرة لبنان ومعنى وجوده. وهنا لا ينفع التهليل أن البابا استقبل رئيس حكومة لبنان، ولا ينفع القول بأن هناك رئيس مجلس وزراء سنيا يتحدث عن حرصه على المسيحيين في لبنان، إذ ان ما يحرص عليه الكرسي الرسولي هو الشعب اللبناني على امتداد أطيافه، وهو لا ينظر الى المسيحيين لا كأقلية ولا الى المسلمين كأكثرية بل على أنهم شركاء في الوطن والمواطنة”.
ويتابع: “بدأنا نتابع في الايام الثلاثة الاخيرة الكثير من التسريبات والضخ الايجابي عن نتائج الزيارة في الوقت الذي يعلم الكرسي الرسولي في العمق أن ما تقوم به المنظومة والحكومة اللبنانية مرتبط بشكل بنيوي بخيارات انتحاريّة، ويساهم في تقويض بقاء لبنان كحاجة حضارية”.
وعن الزيارة المرتقبة لوزير خارجية الفاتيكان المطران غالاغر إلى لبنان يقول الصائغ: “هناك استعدادات غير معلنة ولا أحد يمكن أن يؤكدها، لكنها جدية، بعد زيارة وتشاور يقوم به مع روسيا وقد سبق ذلك تشاور مع الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي وهناك تواصل قائم مع جامعة الدول العربية والأمم المتحدة وكل ذلك من خلال مجموعة الدعم الخاصة بلبنان. وبطبيعة الحال هذا مسار بدأ مع كلام البابا فرنسيس في 2 ايلول 2020 أن لبنان في خطر داهم ثم زيارة امين سر الدولة الكاردينال بييترو بارولين الى لبنان في 4 ايلول 2020 والكلام الواضح الذي قاله للشعب اللبناني: “لستم وحدكم وسنسهم مع أصدقائنا في العالم الحر بإنقاذ لبنان، ومن ثم الرسائل التي وجهها البابا فرنسيس لرئيس الجمهورية ميشال عون والتي كانت ذات دلالات رمزية يحث فيه البابا الرئيس عون على موجب الاختيار بين الظلمة والنور، بين اللعنة والبركة، وبين الموت الحياة. وأخيرا يوم القضيّة اللبنانية يوم لبنان في التفكير والعمل الذي كان في 1 تموز 2021 في الفاتيكان بحضور بطاركة الشرق من الكنائس الكاثوليكية والارثوذكسية والارثوذكسية الشرقية والانجيلية”، مشيراً إلى أن “الدبلوماسية الفاتيكانية التي يقودها أمين سر الدولة بيترو بارولين ووزير خارجيتها مستنفرة لتحرير لبنان وإنقاذه ومنع تغيير هويته، وهذه الزيارة إن تمت ستندرج في هذا السياق، على أنه أيضا من الواضح أنه سيبلغ رسائل واضحة وصريحة بأن الانقلاب على الدولة والدستور والهوية اللبنانية غير مقبولين والعالم الحر بصلبه الفاتيكان بما هو مرجعية أخلاقية لن يسمح به، وهناك دعم لكل طموحات الشعب اللبناني في استرداد الدولة وإعادة تكوين السلطة إنطلاقا من أنه أكثر من وطن هو رسالة”.
وختم الصائغ: “بين التسريبات الشعبوية والحقائق تبقى القضية اللبنانية هي الاساس ولا مكان للعمل السياسي البهلواني في هذه المرحلة. انه زمن السياسات العامة الاخلاقية والنبيلة”.