Site icon IMLebanon

مطمر الناعمة مُعرّض لكارثة شبيهة بزلزال المرفأ

كتبت لينا فخر الدين في الأخبار:

الخميس الماضي، أبلغت شركة «سيتي بلو» موظّفيها ضرورة ترك العمل داخل مطمر الناعمة، بعدما كانت مهمّتهم تنفيس المطمر وحرق الغازات المنبعثة منه، والتخلّص من عصارة النفايات والاهتمام بالعشب المزروع على مساحة المطمر التي تُقدّر بـ 291 ألف متر مربّع في حال نشوب حريق. مع هذا القرار، بات المطمر قنبلة موقوتة تهدّد حياة السكّان في محيطه. إذ مع توقف تنفيس الغازات المنبعثة منه أو حرقها، فإن إمكان اشتعالها وحدوث انفجارات تلقائيّة يُمكن أن تُمحو المناطق السكنيّة القريبة وتصبح خطراً ماثلاً، فضلاً عن الأخطار الناجمة عن تسرّب عصارة النفايات إلى جوف الأرض مع ما تحمله من مواد سامة ومعادن ثقيلة.

قضيّة مطمر الناعمة واحدةٌ من أبرز قضايا الفساد. تُظهر كيف تدير دولة المحسوبيات ظهرها بأريحيّة ما إن يصبح الملف غير مُربح مادياً. هكذا، يُترك المطمر الذي عمل لأكثر من 18 عاماً من دون حسيبٍ أو رقيب.

منذ شهر شباط الماضي، أبقت شركة سوكلين، بعد انتهاء عقدها مع الدولة وإخلاء المطمر، على نحو 10 من موظفيها داخل المطمر للقيام بأعمال الصيانة. مهمّة هؤلاء هي الاهتمام بشبكة الغاز التي كانت تولّد الكهرباء مجاناً وعلى مدار الساعة لـ 7 مولدات تستفيد منها المناطق المحيطة بالمطمر والتي تضرّرت من إنشائه، بحسب قرار لمجلس الوزراء عام 2016.

بعد عام على تشغيل هذه المولدات، سلّمتها سوكلين إلى مؤسسة كهرباء لبنان على أن تغذي المناطق المحيطة بالتيار مجاناً. لكن، سرعان ما اختفت المولّدات والكهرباء المجانية. وعاد العمال الذين كانوا يتقاضون رواتبهم من سوكلين إلى مهمتهم القديمة وهي التخلّص من الغازات المنبعثة عبر حرقها، إذ إنّ شبكة الغاز موصولة بأنابيب تحت الأرض ومفتوحة عبر ريغارات يستخدمها العمّال لتنفيس الغازات التي تتجمّع داخل المطمر، إضافة إلى تمديدات لـ 4 فليرات (مشعلة) مهمّتها حرق هذه الغازات عبر ساعات الضغط الموجودة تحت الأرض. ويقوم العمال بعملية الحرق والتنفيس مرتين يومياً، بمعدّل 4 ساعات صباحاً و4 ساعات ليلاً.

وإلى الحرق والتنفيس، تتضمن مهمّة عمّال سوكلين التعامل مع عصارة النفايات من خلال نقلها من منطقة التجمّع التي تُسمّى «فايف» إلى معمل التكرير الذي يحتوي على 6 مستنقعات. ومنها يقوم العمال بسحب العصارة إلى خلاط كبير لتخلط فيه مع أطنان كبيرة من الكلس قبل أن تنقلها الصهاريج إلى نهر الغدير. كما كان هؤلاء يهتمون بالعشب الذي زُرع على مساحة المطمر التي تُقدّر بـ 291 ألف متر مربّع والتعامل مع أي حادثة حريق يُمكن أن تحصل. يدرك العاملون أنّ نشوب أي حريق، ولو كان صغيراً، يعني كارثة حقيقيّة. ولذلك، كانوا يستنفرون في الشتاء إذا ما ضرب البرق حفرة الغاز التي سرعان ما تشتعل ليقوموا برمي التراب الموجود على متن جرافات في قلب الحفر لقطع الهواء عنها وإخماد الحرائق. أما في الصيف، فإنّ العشب الذي يغطي مساحة المطمر معرّض للاشتعال بسبب عدم ريّه باعتبار أنّه يحتاج إلى ملايين الليترات من المياه. وعليه، عملت سوكلين على تسييج المطمر لمنع دخول أي شخص إليه خوفاً من رمي مواد قابلة للاشتعال.

أبقت «سوكلين» على عمالها بسبب خبرتهم في التعامل مع المطمر، رغم انتهاء عقدها مع الدولة، بعدما فشل مجلس الإنماء والإعمار في الاتفاق مع شركة تدير أعمال صيانة المطمر بحسب دفتر الشروط. وتشير بعض الشركات التي رفضت عرض المجلس إلى أنّ الاتفاق كان يقضي بصيانة المطمر والاتفاق مع شركات متخصصة في توليد الكهرباء من الغازات مقابل الدفع بالليرة أو عبر شيكات مصرفيّة.

«سيتي بلو» تدخل.. ثم تخرج

في 11 تشرين الثاني الجاري، تسلّمت شركة «سيتي» بلو أعمال الصيانة بشكلٍ مفاجئ، ومن دون توقيع عقد رسمي مع مجلس الإنماء والإعمار. جلّ ما حصل هو زيارة قام بها مسؤول الشركة في منطقة الشويفات عصام الحجار، يرافقه أحد المسؤولين في المجلس، سامر سليم، في حضور المدير العام لـ«سوكلين» أيمن جعفر والمسؤول عن شركة الاستشارات لاسيكو (تعمل على مراقبة أعمال الصيانة بحسب عقد موقّع مع الدولة) جوزيف الغول. وقضى الاتفاق يومها بأن ينتقل العمال الـ 10 الذين كانوا يعملون لمصلحة «سوكلين» في المطمر إلى «سيتي بلو» التي ستتولى أعمال الصيانة.

هكذا، عادت الأمور إلى مجاريها، تماماً كما عصارة النفايات التي كانت تُرمى في نهر الناعمة ومنها إلى البحر من دون تكريرها أو معالجتها. وتكفّلت «سيتي بلو»، في اليوم التالي، بالدفع لأحد المتعهدين بنقل العصارة ليقوم بنقلها إلى نهر الغدير. هذا ما حصل على مدى أسبوعٍ كامل، قبل أن تُعلم «سيتي بلو» موظفيها ضرورة ترك العمل داخل المطمر الخميس الماضي من دون كشف الأسباب، وإن كان البعض يشير إلى أنّ السبب خلاف داخل مجلس الإنماء والإعمار، بين من يريد توقيع العقد مع «سيتي بلو» ومن يرفض ذلك. في حين أنّ المسؤولين عن هذا الملف يرفضون التصريح عن الأسباب الحقيقيّة.

في المحصلة، تحوّل المطمر، كما سائر المكبات العشوائية، إلى خطر حقيقي يهدّد السكان المحيطين به، وخصوصاً أنّ العمال لم يقوموا بمهمّة تنفيسه وحرق الغازات المنبعثة منه منذ 5 أيّام، أي بمجموع 40 ساعة. كما أن عصارة النفايات التي تتجمّع انسيابياً في «منطقة فايف» ستتسرّب إلى التربة والمياه، علماً بأنّ المعلومات تُشير إلى أنّ معدّل العصارة الذي يتجمّع في المستنقعات يومياً هو 340 طناً.

هذا ما دفع كثيرين من أهالي منطقة الناعمة ــــ حارة الناعمة والمناطق المحيطة إلى رفع الصوت أمس خشية وقوع انفجار يشبه انفجار المرفأ ويعرّض حياتهم للخطر.

ويؤكّد الخبير البيئي ناجي قديح أنّ الغازات لا تزال تنبعث بمعدلات مرتفعة من المطمر ولو أنّها وصلت إلى ذروتها في المرحلة الماضية، محذراً من أنّ وجود الغازات في وسط هوائي في منطقة مقفلة ومضغوطة تحت الأرض ثم اختلاطها مع الهواء بمعدّل 5 إلى 15% يحوّلها إلى خليط قابل للاحتراق التلقائي وانفجارات موضعيّة تزداد مخاطرها مع كبر حجم المساحة المضغوطة، وخصوصاً مع غياب الموظفين الذين يستطيعون التعامل مع مثل هذه الحوادث الطارئة.

وحذّر قديح من أنّ احتمال وقوع حوادث الحرائق والانفجارات داخل المطمر «كبير جداً، ما يهدّد بمخاطر كبيرة على المنطقة السكنيّة المحيطة، بالإضافة إلى المخاطر البيئية على الصحة العامة وعلى البيئة بسبب انبعاث الغازات السامة، وخصوصاً أنّ خليط هذه الغازات غير معروف التكوين». وأكد أنه «لا يجوز أن يُترك المطمر من دون إدارة إلى حين انتهاء تسرب الغازات».