جاء في “المركزية”:
ليس مستغرباً ألا يستوقف عنوان “مأساة اللبنانيين العالقين في مخيم الهول في الحسكة شرق سوريا” الرأي العام اللبناني وهو الغارق في أهوال الأزمات الإقتصادية والإرتفاع الجنوني للدولار مقابل سعر صرف الليرة اللبنانية. لكن التعمق في تفاصيل الخبر يؤكد ضرورة إيلاء هذا الملف الإهتمام، وإلا قد يصحو اللبنانيون ذات صباح على خبر عودة 90 إمرأة وطفلا من مخيم الهول في الحسكة وما أدراكم كيف ستتعاطى الدولة اللبنانية بأجهزتها الأمنية والقضائية ومؤسساتها الإجتماعية مع الوافدات وأطفالهن الذين ولدوا تحت خيمة الإرهاب.
الخبر تناوله رئيس مجلس الوزراء في اجتماع عقده أمس مع أهالي الموقوفين الإسلاميين بحضور وزيري الداخلية والعدل، وتناول مأساة اللبنانيين العالقين في مخيم الهول في الحسكة الذي تسيطر عليه قوات سوريا الديمقراطية “قسد” حيث يحتجز حوالى 90 إمرأة وطفلا وطفلة فقدوا أزواجهن وآباءهم الذين كانوا يقاتلون في تنظيمات إسلامية أو تم أسرهم أو لاذوا بالفرار من دون معرفة مصيرهم.
وكانت تأسست “دويلة الهول” بحسب توصيف المرصد السوري لحقوق الإنسان، بعد اندلاع الحرب الأهلية في سوريا عام 2011، حين سيطر مسلحو تنظيم “الدولة الإسلامية” على بلدة الهول بسبب أهمية موقعها الإستراتيجي، وأصبحت معقلاً مهماً لعناصر التنظيم. وبعد استعادتها من قبل قوات سوريا الديمقراطية والعشائر المتحالفة معها في تشرين الثاني 2015 تحولت ساحات الهول إلى مخيم يضم زوجات وأطفال مقاتلي داعش والتنظيمات الإسلامية من جنسيات فلسطينية وعراقية وسورية وأميركية وبريطانية. وفي حين رفضت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا عودة مواطناتها في المخيم اللواتي التحقن بتنظيم داعش، يشهد المخيم رحلات عودة ونزوح بشكل دوري إلى كل من العراق وألبانيا. أما بالنسبة إلى اللبنانيات وأطفالهن فلا يزال الملف بيد مدير عام الأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي دخل على خط الإفراج عن عدد من المعتقلين في المخيم وقد أكد في آخر عملية إفراج وعودة معتقلين إلى ألبانيا “أن هذا قرار سياسي يجب أن يتخذ، وأنا جاهز لتنفيذه، وكل ما أقوم به هو لخدمة الإنسان… بالأحرى نحن بخدمة الإنسان اللبناني أولا“.
مصادر مواكبة للملف أوضحت لـ”المركزية” أن اللواء عباس ابراهيم قام بأكثر من تحرك وزيارة إلى مخيم الهول لكن لم يرشح شيء من قبل بسبب الفراغ الحكومي. وبعد تشكيل حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أعيد فتح الملف لكن المسألة مرتبطة بالدولة اللبنانية خصوصا أن ثمة معتقلات لا يحملن جوازات سفر ولا حتى أوراقا ثبوتية لأطفالهن الذين ولدوا في المخيم أو خلال الحرب السورية”. ولفتت المصادر إلى أن عددا كبيرا من اللبنانيين الذين التحقوا بتنظيم داعش أو سواه من التنظيمات الإسلامية تزوجوا في سوريا مما يعني أن هناك إشكالات قانونية يجب حلها”.
على الصعيد الأمني لا تخفي المصادر “دقة وحساسية وضع المعتقلات اللواتي ارتبطن بـ”إرهابيين” وهذا يتطلب التدقيق بوضعهن الأمني قبل نقلهن إلى المخيم”. كل هذه الإشكاليات تستلزم إجراءات رسمية من قبل الدولة اللبنانية. ورجحت المصادر أن يتم التحقيق مع المعتقلات في حال اتخاذ قرار بعودتهن الى الداخل اللبناني للتأكد من عدم ارتباطهن بتنظيمات إرهابية أو القيام بعمليات أمنية في الداخل السوري أو إذا كن على تواصل مع أزواجهن الفارين من سوريا. ومن يدري قد تكون المجموعة كلها ضحية أمر واقع لكنه مأساوي”.
حتى الساعة لا يزال الغموض يلف لائحة المعتقلات اللبنانيات إن لجهة العدد أو وضعهن القانوني والإنساني. وتلفت المصادر إلى أن الإلتباس ناتج عن التكتم حول هذا الملف وقد يكون ذلك متعمدا بهدف عدم السقوط في مطبات من شأنها إعادة الملف إلى نقطة الصفر بعدما خطا اللواء ابراهيم أشواطا إن لناحية الزيارات التي قام بها إلى سوريا أو الإتصالات التي يجريها في هذا الصدد مع السلطات السورية”.
وحده الوضع الإنساني الذي يعيشه المعتقلون في “دويلة الهول” يعلو على باقي الإعتبارات. فالجرائم التي تسجل يوميا تحت الخيم وانعدام أبسط مقومات العيش تتفوق على ممارسات التعذيب النفسي والمعنوي التي تمارس في حق المعتقلات. وما يعزز هذا المشهد المأساوي غياب المنظمات الدولية التي كان ممنوعا عليها زيارة المخيم بسبب ارتباط المعتقلات فيه بتنظيم داعش.
فهل يكون القرار الذي ستتخذه السلطات اللبنانية بنقل المعتقلات وأطفالهن إلى لبنان وفق عملية قانونية وأمنية مدروسة أم تكون هناك دويلة جديدة وأهوال هيهات منها مخيم الهول؟!