جاء في “العرب” اللندنية:
تتجه الأزمة السياسية والقضائية في لبنان نحو الانفراج بعد تبلور توافقات أشبه بالمقايضة؛ إذ تنص على استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي -وهو المدخل لتجاوز الخلاف الدبلوماسي مع السعودية- مقابل تحجيم صلاحيات المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار.
وكشفت مصادر لبنانية أن الأزمة السياسية في طريقها إلى الحل بعد توصل الفرقاء السياسيين إلى خارطة طريق يتم بموجبها استئناف انعقاد مجلس الوزراء المعطل منذ أكثر من شهر وفتح باب الوساطات الدولية والإقليمية لتجاوز الأزمة الدبلوماسية مع السعودية.
وتنص خارطة الطريق على استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي الذي تسببت تصريحاته في نشوب أزمة دبلوماسية مع السعودية والإبقاء على المحقق العدلي طارق بيطار، لكن مع ترك ما لا يدخل في صلاحياته للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو مخرج يرضى به الثنائي الشيعي حزب الله وحركة أمل.
ويعتبر ميقاتي أن صلاحية ملاحقة الرؤساء والوزراء والنواب تعود إلى المجلس الأعلى، وبالتالي هو يشجّع على تبني مثل هذا الحلّ لكي يعيد حكومته إلى الحياة من جديد، لاسيما أن إدارة الأزمة عبر اللجان الوزارية أثبتت عدم فاعليتها.
ويتألف المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في لبنان من سبعة نواب (يتم انتخابهم بالاقتراع السري وبالغالبية المطلقة من مجموع أعضاء المجلس النيابي الـ128)، وثلاثة نواب آخرين احتياطيين، بالإضافة إلى ثمانية قضاة من أعلى القضاة رتبة بحسب درجات التسلسل القضائي أو باعتبار الأقدمية إذا تساوت درجاتهم، وثلاثة قضاة احتياطيين، بحسب المادة 80 من الدستور اللبناني.
ويقول الخبير الدستوري عادل يمين إن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء منصوص عليه في الدستور اللبناني كمحكمة خاصة من أجل محاكمة الرؤساء والوزراء.
ويتولى المجلس الأعلى محاكمة رئيس الجمهورية على الجرائم العادية التي يرتكبها، أو على الخيانة العظمى أو خرق الدستور، ويُتهَم أمامه رئيس الوزراء والوزراء بجرم الخيانة العظمى وبالإخلال بالواجبات المترتبة عليهم أو بخرق الدستور. ويوضح يمين أن الاتهام يتمّ من جانب المجلس النيابي فقط وبثلثين من أعضائه.
ويرى حقوقيون لبنانيون أن طلب الاتهام هو بمثابة مناورة احتيالية لتهريب المتهمين من قبضة المحقق العدلي في قضية انفجار المرفأ، لأن لا جديّة في الاتهام أمام هذا المجلس.
ولم يجتمع مجلس الوزراء منذ الثاني عشر من تشرين الأول، بسبب مطالب الثنائي الشيعي الذي قرن عودة انعقاد مجلس الوزراء باستبعاد بيطار.
و يرى مراقبون أن نجاح الثنائي الشيعي في فرض أجندته على رئيس الحكومة اللبنانية يسلط الضوء على النفوذ الكبير لجماعة حزب الله الشيعية المدعومة من إيران والتي دعت إلى رفع يد بيطار واتهمته بإجراء تحقيق مسيّس يستهدف أشخاصا بعينهم.
وكان حزب الله وحركة أمل قد سحبا الوزراء التابعين لهما من الحكومة في أوقات سابقة من الصراع السياسي ما أدى إلى انهيار الحكومة التي يقودها السنة من خلال سحب التمثيل الشيعي منها.
وسعى بيطار لاستجواب أحد كبار السياسيين في البلاد، وهو وزير المالية السابق علي حسن خليل الذي قال إن جميع الخيارات مفتوحة للتصعيد السياسي عندما سُئل عما إذا كان من الممكن استقالة بعض الوزراء. وخليل هو الذراع اليمنى لرئيس مجلس النواب نبيه بري وحليف وثيق لحزب الله.
وتتساءل أوساط سياسية لبنانية عن سبب إصرار حزب الله على استبعاد المحقق العدلي في انفجار بيروت رغم أنه لم يتهم أي طرف سياسي بالمسؤولية عن الحادثة، بما في ذلك حزب الله.
وتشير هذه الأوساط إلى أن الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله بوضع نفسه في مواجهة مع المحقق يعزز ما تتداوله وسائل إعلام غربية ومحلية من شكوك في وجود دور ما للحزب في حادثة انفجار مرفأ بيروت.
ولم يرشح عن تحقيقات القاضي بيطار ما يؤشر على وجود علاقة بين نيترات الأمونيوم الذي تسببت في انفجار المرفأ وبين حزب الله، إلا أن الحزب آثر حشر نفسه.
وذكرت المصادر نفسها أن الخطوة الثانية، التي ستلي التوافق على هذا الحلّ القضائي، ستكون الذهاب إلى طاولة مجلس الوزراء لمعالجة الملف السياسي، أي استقالة قرداحي من منصبه، لكن دون أن يكون ذلك على قاعدة الفرض أو الكسر، بل من خلال أن يبادر هو باتخاذ هذه الخطوة، سواء كان ذلك قبل انعقاد الجلسة أو خلالها، بحيث تكون نتيجة مشاورات حصلت على طاولة مجلس الوزراء، الأمر الذي ألمح إليه قرداحي في وقت سابق.
وأكدت هذه المصادر أنّ هذا الأمر من المفترض أن يترجم عمليا بعد عودة ميقاتي من زيارته إلى الفاتيكان، وأن هناك ضغوطا كبيرة لكي يتم الانتهاء من المسألة في بداية الشهر المقبل، تحديداً قبل بداية جولة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الخليج في الرابع من كانون الأول، التي يستهلها من السعودية، نظراً إلى أن ورقة الاستقالة من الممكن أن يستخدمها من أجل فتح باب الحوار بين بيروت والرياض.
وسيحاول الرئيس الفرنسي خلال زيارته للسعودية رأب الصدع بينها وبين بيروت وحلحلة الأزمة الدبلوماسية الراهنة وتطيير تحفظات الرياض على الطبقة السياسية اللبنانية إلى ما بعد الانتخابات التشريعية في آذار 2022.
وفي مناسبتين سابقتين فشلت فرنسا في استرضاء الرياض وكسر الجمود وسياسة اللامبالاة التي تنتهجها الرياض ضد بيروت، لكن مراقبين يرجحون أن تنجح باريس هذه المرة في إنهاء الأزمة الدبلوماسية مع مراعاة التحفظات السعودية.
وبالرغم من أن مصادر خليجية تؤكّد أن ذلك قد لا يعني معالجة الأزمة القائمة برمتها، إلا أنّها تلفت إلى أن الاستقالة باتت ضرورية لتحريك المياه الراكدة، خصوصاً أنّ الرياض لن تفتح أبواب الحوار قبل ذلك.
ويرى مراقبون أن أي خارطة طريق لبنانية من أجل تجاوز الأزمة مع السعودية لن تكون ذات معنى إن لم تستجب للمطلب السعودي الرئيسي المتمثل في تحجيم نفوذ حزب الله ورفع يده عن القرار السيادي اللبناني، وهو أمر استبعده وزير الخارجية اللبناني عبدالله بوحبيب حينما قال “السعودية تملي شروطا مستحيلة من خلال مطالبة الحكومة بالحد من دور حزب الله”.