كتبت سناء الجاك في “نداء الوطن”:
يبدو أن فائض القوة والسلاح والمسلحين لم يعد يؤتي مفاعيله. ليس لأن الحزب الحاكم بأمره بريء من تهمة مصادرة السيادة لمصلحة الاحتلال، ولكن، ربما، لأن الشيء متى زاد عن حده إنقلب إلى ضده.
والتناقض الذي يحكم المشهد ينبض بالعجز والتخبط وفشل الإستراتيجيات واحدة تلو الأخرى وتباعاً. تدل عليه هذه الحملة المكثفة لشحذ الهمم، فلا يبقى عزاء في قرية سالماً من هجوم صاعق على المنبر لتسجيل موقف وتذكير من يجب تذكيره، بأن الأمر للحزب الحاكم بأمره وليس لمن تسجله صناديق الإقتراع ممثلاً للشعب ونائباً عن الأمة.
وكأنه لم يعد يجدي نفعاً الصمت الذي كان يحمل في طياته هيبة وتهديداً وتعالياً عن هذه الأمة ومشكلاتها الصغيرة، تاركاً من سمح له ببعض النفوذ والسلطة والفساد بتوليها، لأن القضايا الكبيرة في الإقليم هي ما ينبري لخوضها. فالمرحلة الحرجة الحالية تتطلب دقة في التشريح وحزماً في المواقف. بالتالي كثف الصامتون سابقاً، إطلالاتهم بغية تحديد آليات العمل التي تليق بكل هذا الفائض من القوة والسلاح والمسلحين، والتي يجب أن تصل إلى الهدف المرسوم.
المطلوب في هذه المرحلة أن يتذكر من انكسر حاجز الخوف لديهم ماذا ينتظرهم إن هم استمروا في هذيانهم. وليست النصيحة لهم بتناول حبوب المهدئات عندما يطالبون بمقاومة الاحتلال الإيراني سوى توزيع أدوار بين الحمائم والصقور، كما يريدون لنا أن نظن. ففي المحصلة، لا حمائم ولا صقور ولا كبير ولا صغير.. بل أذرع لرأس يملي.. فينفذون.
ربما لا يتم التدخل مباشرة في طريقة التنفيذ، المهم النتيجة. والمشكلة حالياً خيبة في النتيجة.. فلا شل جلسات مجلس الوزراء أعطى ما هو مطلوب منه ولا غزوة عين الرمانة، ولا إستخدام إستقالة الوزير جورج قرداحي للضغط على ميقاتي في مسألة قبع المحقق العدلي القاضي طارق البيطار، ولا دعاوى مقاضاة الدولة أعطت نتيجة.
لذا أتحفنا الضنين على جيوب المكلفين اللبنانيين الذين يفترض أنهم يدفعون رواتب القضاة، بإعلانه شيطنة السلطة الرابعة، ومطالبته بإقفال دكاكينها، ولذا شنفت آذاننا عبارات طائفية إحتجاجاً على “مسيحية القضاة” عند هيكل الكونسرفتوار.
فالظاهر أن مفاعيل فائض القوة والسلاح والمسلحين ومعهم الصواريخ التي لا تعد ولا تحصى أوهى من خيوط العنكبوت. وبعد أن ركب الأقوياء أعلى ما في خيلهم، جاءت “هرطقات محكمة التمييز في قضية المرفأ” لتصيبهم بخيبة جديدة. وبالطبع إنصبت الإتهامات على “قضاء غب الطلب.. يتواطأ باسم بعض الشعب ليصدر أحكاماً وقرارات معلّبة سلفاً”.
وكأن القضاء يجب أن يكون توافقياً، كما الديموقراطية التوافقية العددية.. بالتالي على القاضي الذي يخدش شعور هذه الديموقراطية العددية أن يخاف ويرتعب، ويحسب حساب تفجير السلم الأهلي بغزوات يدفع ثمنها دماً من يفتعلها ليحصل على مراده، بما يذكرنا بتفجيرات غب الطلب، فقط في البيئة الحاضنة، مهدت لتبرير التدخل ضد السوريين وقمع ثورتهم بحجة محاربة الإرهاب.
وبين القمع والقبع يبدو أن الحاكم بأمره وصل إلى المقلب الآخر من مسيرته. وبدأ الإنحدار المكلف له ولمن يحسب أنه يتحكم بهم. أما ماذا سيفعل بالمئة ألف؟؟.. لعل مفعولهم صار كمفعول المئة الف ليرة لبنانية بعد الارتفاع الجنوني لسعر صرف الدولار في أسواقه الحالكة السواد..