التيار الوطني الحر” يدعو الحكومة إلى الاجتماع فوراً، و”حزب الله” يعلن أنه ممنوع على الحكومة أن تلتئم قبل الإطاحة بالقاضي طارق البيطار. ويصبح السؤال: لِمَ يتجنّب “التيار” كلياً اتهام الحزب بالتعطيل رغم أنه يعطّل علناً في حين يكمل “التيار” بمعزوفته بكيل الاتهامات إلى الآخرين؟
يطالب رئيس الجمهورية باحترام مبدأ فصل السلطات الذي يرفض “حزب الله” احترامه ويصرّ السيد حسن نصرالله على التعدّي على القضاء بدءًا برئيس مجلس القضاء الأعلى والهيئة العامة لمحكمة التمييز مروراً طبعاً بالمحقق العدلي في جريمة تفجير مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار وليس انتهاء بالمحكمة العسكرية التي لطالما استخدمها لتحقيق مآربه السياسية.
يريد نصرالله أن يهيمن على القضاء ليكون في خدمته تماماً كبقية المؤسسات، وإلا فإنه يصبح بنظره قضاءً غير صالح. يريد نصرالله من القضاء وقف التحقيقات في جريمة المرفأ أو تمييع الحقيقة، تماماً كما يريد منه تركيب ملفات لـ”القوات اللبنانية”. باختصار يريد الأمين العام لـ”حزب الله” قضاءً مطواعاً ينفذ له رغباته بعيداً عن الحقيقة والعدالة، وهو يكره القضاء الذي يكشف الحقائق ويحاربه تماماً كما حارب المحكمة الدولية.
في المقابل يتقن “التيار” التجارة السياسية. هو مستعد أن يسير برغبات “حزب الله” بشرط أن يقبض الثمن السياسي المطلوب، بدءًا بالسعي لتطيير الانتخابات أو على الأقل منع اللبنانيين المنتشرين من التصويت كل في دائرته الانتخابية في لبنان، أي لـ128 نائباً، ويصرّ على حصرهم بـ6 مقاعد أو منعهم من التصويت، لأن “التيار” يدرك تماماً أن الأكثرية الساحقة من المنتشرين المسجلين في الدوائر المسيحية سيصبّون أصواتهم ضد المرشحين العونيين.
ويسعى “التيار” أيضاً ومعه العهد العوني إلى التجارة السياسية مع “حزب الله” المأزوم إقليمياً لتحقيق سلسلة أهداف تصب في مصلحة النائب جبران باسيل، بدءًا من الانتخابات الرئاسية مروراً بالمكاسب المطلوبة في الانتخابات النيابية عبر دعم مرشحي التيار بالأصوات التفضيلية في الدوائر الشيعية أو ذات الحضور الشيعي مثل جبيل وبعبدا وزحلة وبعلبك- الهرمل وجزين… وصولاً إلى الحصول على هامش من أجل التفاوض مع الأميركيين لرفع العقوبات عن جبران باسيل!
إنه زمن التجارة السياسية بامتياز. هكذا يرفض باسيل الإقرار بأن إيران يحتل لبنان، لا بل يغطّي ممارسات “حزب الله” في جبال عيون السيمان، ويكمل في استراتيجيته إياها عبر اتهام المحور الآخر بأنه يحاصر لبنان اقتصادياً والقول إن من أوصلنا إلى الانهيار هي السياسات الاقتصادية والمالية السابقة في غمز ضمني واضح نحو الحريرية السياسية بهدف تبرئة “حزب الله” وممارساته التي تسببت بحصار لبنان ومنع تدفق العملة الأجنبية إليه!
هي حاجة كل من الطرفين إلى الآخر لتأمين مصالحهما على حساب لبنان واللبنانيين. إنها لعبة التجارة السياسية على أنقاض لبنان. لا يعارض “التيار الوطني الحر” تغطية السيطرة الكاملة لـ”حزب الله” على كل المؤسسات في لبنان وعلى سياساته الخارجية في مقابل الحصول على فتات السلطة للحفاظ على ماء الوجه.
إنها التجارة في زمن الـBlack Friday السياسي في بلد بات في قعر الانهيار، والأنظار تتجه إلى مفاوضات فيينا وسط توقعات بأن تحمل الأسابيع والأشهر المقبلة الأسوأ… فهل ينجح رهان “التيار” على تسوية ما تحمي “حزب الله” وحلفاء إيران أم يسقط رهانه بسقوط الآمال على “ليالي الأنس في فيينا” فيدفع ثمن تحالفه مزيداً من العقوبات والحصار وحكم التاريخ؟!