كتب محمد شقير في “الشرق الأوسط”:
يغرق لبنان في عطلة سياسية قابلة للتمديد ما لم تؤد الاتصالات التي ما زالت مقطوعة إلى فتح كوة في جدار الأزمة التي تحاصره تدفع باتجاه الإفراج عن جلسات مجلس الوزراء وتوفير الحلول التي كانت وراء تعطيلها والتي يفترض أن تتصدر جدول أعمال اللقاء الذي يعقد اليوم بين رئيسي المجلس النيابي نبيه بري والحكومة نجيب ميقاتي في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة، فيما تستغرب مصادر نيابية بارزة ما أشيع أخيراً حول بدء التفاوض بين بري و«التيار الوطني الحر»، وتؤكد لـ«الشرق الأوسط» بأن الأبواب موصدة حتى الساعة بين الطرفين وأنه لا صحة لكل ما يقال بأن خطوط التواصل مفتوحة بينهما بتدخل مباشر من «حزب الله».
وكان تردد في الساعات الأخيرة بأن رئيس «التيار الوطني» النائب جبران باسيل طرح صيغة تسمح بانعقاد جلسة نيابية تخصص للبحث في إحالة الادعاء على رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين والنواب الحاليين علي حسن خليل ونهاد المشنوق وغازي زعيتر والوزير السابق يوسف فنيانوس على المحكمة الخاصة لمحاكمة الرؤساء والنواب استناداً إلى ما نص عليه الدستور في هذا الخصوص، مشترطاً في نفس الوقت حضور نواب «تكتل لبنان القوي» برئاسة باسيل الجلسة لتأمين النصاب من دون التصويت على إلحاقهم بالمحكمة الخاصة.
لكن لم يؤخذ باقتراح باسيل الذي أعلم به الرئيس بري من خلال وسائل الإعلام التي تناقلته لأنه «لا يشكل المخرج المطلوب لجهة الاحتكام إلى الدستور الذي ينص صراحة على أن محاكمة الرؤساء والوزراء تبقى من اختصاص البرلمان على أن يعود للمحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار النظر في ادعائه على عدد من الموقوفين قيد التحقيق ومن بينهم من ادعى عليهم» كما تقول المصادر.
وتلفت المصادر نفسها إلى أن الرئيس بري – بإصراره على تصويت نواب «تكتل لبنان القوي» إلى جانب فصل إحالة الرؤساء والوزراء على المجلس الأعلى لمحاكمتهم عن محاكمة من لا تسري عليهم مثل هذه الشروط ممن يخضعون للمحاكمة أمام المحقق العدلي – ليس في وارد تكرار ما حصل في الجلسة النيابية الأخيرة التي فتحت الباب أمام الخلاف على احتساب النصاب القانوني أثناء التصويت على التعديلات التي أدخلت على قانون الانتخاب.
وتؤكد أن الخلاف على احتساب النصاب يعود إلى الخلاف بين وجهتي النظر: الأولى تقول بأن احتسابه يجب أن يبقى بتعداد النواب الأحياء ولا يشمل النواب المتوفين أو أولئك الذين استقالوا من البرلمان، والثانية ترى بأن عملية الاحتساب تنطلق من العدد الرسمي للمقاعد النيابية أي 128 مقعداً بصرف النظر عن العدد الحالي للنواب أي 116 نائباً بعد أن أضيف إليهم اسم النائب فايز غصن الذي توفي منذ حوالي أسبوع.
وتعتبر المصادر أن باسيل يريد أن يبيع موقفاً إعلامياً لن يكون له من مفاعيل تسمح بتأمين تأييد الأكثرية النيابية المطلقة ليصبح مبدأ الفصل قابلاً للتنفيذ، وتقول بأن مشاركة نوابه في الجلسة من دون تصويتهم على الاقتراح ستؤدي حتماً إلى عدم التصويت عليه وسيضاف عددهم إلى النواب المنتمين لحزب «القوات اللبنانية» و«اللقاء النيابي الديمقراطي» ومعهم عدد من النواب المستقلين الذين لا يزالون يرفضون الفصل بين صلاحية المحقق العدلي والأخرى المناطة بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
وفي هذا السياق، قالت المصادر النيابية بأن الاقتراح الذي كان تقدم به البطريرك الماروني بشارة الراعي كاد يشكل مخرجاً يقود حتماً إلى فك أسر جلسات مجلس الوزراء بوقف تعليقها، وقالت بأن اقتراحه يقوم على إعطاء ما للقضاء للمحقق العدلي في مقابل إعطاء ما للبرلمان للمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وأنه لقي تأييداً من بري ومن ثم من ميقاتي وأخيراً من قبل رئيس الجمهورية ميشال عون.
وأكدت أن عون تعاطى بإيجابية مع اقتراح الراعي، وهذا ما أبلغه إلى بري قبل أن يطير الاتفاق مع صياح الديك وبتدخل من الوزير السابق سليم جريصاتي، وهذا ما أشار إليه رئيس البرلمان بتحميله الأخير مسؤولية الإطاحة بالاتفاق الذي تولت بكركي تسويقه، وكنا على وشك الوصول إلى تفاهم يؤدي إلى تفعيل العمل الحكومي.
وحملت المصادر نفسها جريصاتي تفويت «فرصة العمر» على البلد، وقالت إنه بتدخله أدى إلى تمديد تعليق جلسات مجلس الوزراء وتطرقت إلى الأجواء الإيجابية التي سادت اجتماع الرؤساء الثلاثة في بعبدا، وقالت إن بري انطلق في مداخلته من قول رئيس الجمهورية بإعطاء ما لقيصر لقيصر وما لله لله، أي أن يترك للبرلمان النظر في الادعاء على المشمولين بالمجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء في مقابل إطلاق يد البيطار بمتابعة التحقيق العدلي مع الموقوفين والمتهمين في ملف الانفجار.