كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
بعد شهر بالتمام، تنتهي عقود مقدّمي الخدمات مع مؤسسة كهرباء لبنان، وسط تكهنات بالتمديد لهذه الشركات، ولو أنّ لها في ذمة الدولة مستحقات تقدّر بعشرات ملايين الدولارات وذلك في ظلّ انعدام السيناريو البديل، سواء لجهة قدرة المؤسسة أن تستعيد بين ليلة وضحاها المهام التي تقوم بها الشركات، أم لجهة ايجاد عارضين مستعدين لدخول هذا القطاع.
وفق العقود الموقّعة مع هذه الشركات، يمكن التمديد لها تلقائياً لمدة شهرين إلى حين تتمكن مؤسسة كهرباء لبنان من تأمين بديل، ويمكن لها أيضاً أن تستفيد من قانون تمديد المهل القانونية، أي 15 شهراً اضافياً. وفي كل الأحوال، فإنّ المؤسسة يفترض أن تبدأ مشوار مفاوضات مع هذه الشركات للعمل على تعديل العقود، لجهة توسيع صلاحياتها، مقابل تعزيز مسؤولياتها، مع العلم أنّ مشروع توسيع الصلاحيات ليس جديداً، حيث سبق لوزير الطاقة السابق ريمون غجر أن طرح توسيع بيكار نشاطات الشركات وتحريرها من علاقتها بمؤسسة كهرباء لبنان، من خلال توظيف ما أتى في مضمون الخطة التي أقرتها حكومة حسان دياب والتي تقول بضرورة تعزيز استقلالية مقدمي الخدمات، وذلك بغية تحرير الشركات من العلاقة مع مؤسسة كهرباء لبنان، لا سيما في ما يتصل مثلاً بالتدقيق بالفواتير وتسطير محاضر ضبط، ما يسمح بضرب علاقة المستهلك مع “المؤسسة” في ما لو اعتراها التشويه، مع العلم أنّ المعنيين يؤكدون أنّه سبق للمؤسسة مراجعة هيئة الاستشارات في هذا الشأن وجاء الجواب سلبياً.
بالنتيجة، ثمة الكثير من النقاط التي ستكون موضع نقاش بين مؤسسة كهرباء لبنان والشركات، بينها قيمة المتأخرات، سقف الجباية التي تعطلت منذ 17 تشرين الأول 2019 بحجة رفض المستهلكين تسديد فواتيرهم وتراجع وتيرة اصدارات المؤسسة لا سيما بعد انفجار المرفأ وتضرر مكاتب المؤسسة بشكل كبير، كيفية تأمين المعدات والساعات…
ومع ذلك، فإنّ هذا المشروع يواجه اعتراضات كثيرة، منها من موظفي مؤسسة كهرباء لبنان كون مقدمي الخدمات “استولوا” على عملهم ومهامهم ويتقاضون في المقابل مبالغ خيالية. المفارقة وفق المعترضين أنّ مقدّمي الخدمات الذين يعملون منذ ثمانية أعوام تخلّفوا عن المهام المطلوبة منهم ضمن المشروع، وأبقوا على مهمتين اثنتين فقط: الجباية والصيانة. واللافت أنّ معارضي هذه الشركات يتهمونها بالتقصير في الجباية بدليل وجود متأخرات وفواتير غير مجباة تقدّر بحوالى 1000 مليار ليرة، أي إنّ تقصيرها ساهم في “كسر” مؤسسة كهرباء لبنان مالياً.
أما عند إصلاح الأعطال، فتستعين هذه الشركات بمتعهّدين غبّ الطلب، هم أنفسهم الذين كانت تستعين بهم المؤسسة قبل إسناد المهمة إلى مقدّمي الخدمات. الفارق الوحيد هو أنّ الفواتير التي يسطّرها مقدّمو الخدمات تضاعفت أكثر من ثلاث مرات عن تلك التي كانت تدفعها المؤسسة بشكل مباشر إلى المتعهّدين.
بالنتيجة، إنّ هذه التجربة لم تخضع للدراسة أو التدقيق أو المراجعة.
وتعود هذه العقود إلى العام 2012 حين وقّعت وزارة الطاقة عقوداً مع ثلاثة مقدمي خدمات لمؤسسة كهرباء لبنان هم: BUS، NECU، وKVA. يومها بدأت عملية خصخصة جزئية لمؤسسة كهرباء لبنان تتضمن تلزيم الخدمات الكهربائية في المناطق، وتتضمن أعمالاً مختلفة من تصميم شبكة التوزيع وتنفيذها وتشغيلها وصيانتها وخدمة الزبائن وشبكة العدادات (تركيب عدادات والكشف على المباني الجديدة وجباية الفواتير وتركيب محولات الأحياء وصيانة الأعطال على الخطوط وشبكات التوزيع…).
وبهدف ضمان كفاءة أعلى لهذه العملية، وضعت الوزارة والمؤسسة معايير للأداء كان يفترض أن تلتزمها الشركات الثلاث. لكن هذه الشركات، عملياً، فشلت، بدرجات مختلفة، في بلوغ الأهداف المرسومة لها. مُدّدت عقود الشركات، مرة بعد أخرى، فيما رُمي فشلها دائماً على عاتق مياومي الكهرباء الساعين إلى ديمومة في عملهم وموقعهم الوظيفي. وهؤلاء كانوا عمالاً غبّ الطلب يعملون بشكل دائم لدى مؤسسة كهرباء لبنان، وانتقلوا، ضمن “الصيغة الدائمة”، إلى مقدمي الخدمات. وكان وجودهم دائماً مرتبطاً بوصفهم عمالاً مياومين لدى شركات تلتزم أعمالاً من مؤسسة كهرباء لبنان! معادلة ثاروا عليها فباتوا متهمين بعرقلة مسار الكهرباء.
وفق الخبيرة القانونية المحامية كريستينا أبي حيدر لا بدّ أولاً من اجراء تقييم مفصّل لأداء تلك الشركات على قاعدة تحديد المبالغ التي صرفت مقابل الخدمات التي قدّمت، لتحديد ما اذا كانت هذه الشركات التزمت بما جاء في العقود، خصوصاً وأنّ هناك الكثير من الالتزامات التي لم تحترم، ومنها على سبيل المثال تركيب العدادات الذكية، ولو أنّ بعض هذه الشركات قامت بما يلزم منها، فيما الغموض يحيط بعمل البعض الآخر، وذلك قبل الشروع في عملية التفاوض أو تقرير مصير علاقتها بالمؤسسة.
وتسأل عن سرّ ربط التمديد لهذه الشركات بالشروط الاصلاحية، مشيرة إلى أنّ هذه الشراكة كانت مشوّهة وجزئية لقطاع التوزيع، فكيف يمكن الدفع باتجاه تعزيز صلاحيات هذه الشركات اذا كانت غير قادرة على احترام التزاماتها الأساسية؟ واستطراداً تمديد هذه العقود ومراكمة المزيد من الديون؟ وما الذي يمنع اجراء مناقصات جديدة وفتح الباب أمام تنافس شفاف طالما أنّ هذه العقود مربحة للقطاع الخاص؟
وأشارت إلى أنّ البنك الدولي يشترط تطبيق القانون 462 لا سيما في الشق المتعلق بتعيين الهيئة الناظمة، والذي يسمح بالتشركة سواء على مستوى التوزيع أو الانتاج، فيما هذه الشركات تقوم بتحصيل الفواتير نيابة عن مؤسسة كهرباء لبنان ولا تطبق شراكة حقيقية بالمفهوم القانوني للكلمة! لافتة إلى أنّه اذا كان الابقاء على هذه الشركات هو بند اصلاحي يشترطه البنك الدولي، فهذا يطرح الكثير من علامات الاستفهام حول خلفيات هذا الشرط.