Site icon IMLebanon

الإنتخابات النيابية على سكّة… التطيير!

كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:

نجح رئيس الجمهورية ميشال عون في إثارة الالتباس حول حقيقة موقفه من سيناريو بقائه في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته. في المرّة الأولى، قال: “أخشى أن ثمة مَن يريد الفراغ. أنا لن أسلّم إلى الفراغ”، ولو أنّه استبق التعبير عن خشيته، بالإشارة إلى أنه “إذا وصلنا إلى نهاية الولاية سأترك قصر بعبدا حتماً لرئيس يخلفني”. في المرة الثانية، اعتبر أنّ قوله “لن اسلّم الفراغ” استثمر بشكل خاطئ في اطار الحملات المركزة والمبرمجة للاساءة، وأنّ ما قصده كان من باب التأكيد على عدم حصول فراغ بعد انتهاء الولاية الرئاسية، مؤكداً أنّ التمديد غير وارد.

وفي المرة الثالثة، أعلن انّه سيعارض التمديد، وانه “في حال تم التمديد للمجلس النيابي يعود اليه تقرير ما اذا كان الرئيس سيبقى في قصر بعبدا أم لا، فالدستور يسمح بالتمديد وهو ما حصل مع رئيسين سابقين، إلّا أنّه استطرد قائلاً: “استبعد هذه الفرضية، وسأغادر عند انتهاء ولايتي، الا اذا كان لمجلس النواب كلام آخر، وهذا الأمر ممكن ولكنه غير مرغوب فيه وغير مخطط له”.

وهذا ما بيّن وكأنّ رئيس الجمهورية يستعين بالمفردات والتوليفات اللغوية المتناقضة كي يغلّف موقفه من التمديد بالغموض. فلا يقول إنّه يريده، ولا يعلن رفضه المطلق له. يتركه ورقة في جيبه إلى حين نضوج ظروف الاستحقاق الرئاسي، ليضعه وقتذاك على الطاولة.

في الواقع، لا أحد قادراً منذ اليوم على التكهن بطبيعة السيناريو الذي سيحكم المرحلة المقبلة. ثمة العديد من الاحتمالات الممكنة نظراً لتزامن استحقاقين أساسيين، من شأن حسم أي منهما، سلباً أو ايجاباً أن يأخذ الأمور باتجاه منحى مختلف. والبداية ستكون طبعاً من خلال تحديد مصير الانتخابات النيابية.

اذ أنّ اجراء الانتخابات النيابية في موعدها، سواء في آذار أو في أيار، يعني أنّ الحكومة ستتحوّل بطبيعة الحال إلى حكومة تصريف أعمال. وسيكون الاتفاق على حكومة بديلة، مسألة معقّدة جداً لكونها حكومة الشغور الرئاسي بصلاحيات استثنائية.

أما في حال التمديد لمجلس النواب وإرجاء موعد الانتخابات لما بعد الاستحقاق الرئاسي، فهذا يعني أنّ حكومة ميقاتي ستكون حكومة “رؤساء الجمهورية”، التي ستتولى مهام رئيس الجمهورية، وهذا ما أشار إليه عون حين قال إنّ “الدستور اللبناني لحظ امكانية حصول الفراغ لأي سبب كان ونص على أنّ مجلس الوزراء يمارس مجتمعاً صلاحيات الرئيس الى حين انتخاب رئيس جديد من قبل مجلس النواب”.

ما يعني أنّ سيناريو الفراغ الذي أتى عون على ذكره، من باب إشارته إلى عدم تسليمه سدّة رئاسة الجمهورية، يعني بنظره إمّا أن تكون الحكومة التي ستخلفه هي حكومة تصريف أعمال، وإمّا عدم اجراء الانتخابات في موعدها، وعدم قدرة مجلس النواب على التمديد لنفسه، ما قد يطرح احتمال الفوضى الدستورية على المستويات كافة: الرئاسية، التشريعية والتنفيذية. والاحتمال الثاني لا يقلّ ترجيحاً عن الأول.

تتعاطى القوى السياسية، الموالية والمعارضة على قاعدة أنّ الانتخابات حاصلة، لكنّ هؤلاء جميعاً يعرفون جيداً أنّ احتمال التأجيل، المفتوح على مواعيد غير معروفة، هو الغالب على ما عداه من الاحتمالات، إلّا اذا نجح الضغط الدولي في فرض الاستحقاق ولم يتمكن اللاعبون المحليون، غير المتحمسين للوقوف أمام صناديق الاقتراع، وهؤلاء ليسوا بقلة، من مواجهة الرغبة الخارجية والتصدي لها.

ولهذا، ثمة من يقول إنّ “الكربجة” الحكومية – القضائية الحاصلة قد تكون واحدة من أدوات التعطيل التي يهندسها البعض، لتعقيد المشهد الداخلي ودفعه باتجاه مزيد من الفوضى السياسية، التي قد تحول دون اجراء الانتخابات في موعدها.

وفق بعض المطلعين، فإنّ رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل هو أكثر المُتهمين بعدم الحماسة للخضوع لاختبار صناديق الاقتراع، ولكن التدقيق الفعلي في “الصناديق السوداء”، يبيّن أنّ “القوات” والمجموعات المعارضة، هي الأكثر استعداداً للانتخابات والأكثر رغبة في اجرائها. أمّا البقية، فيفضّلون بلا شك تأجيلها. حركة “أمل” ليست في أحسن أحوالها إن لجهة تحالفها مع “حزب الله” في ضوء صراع الإخوة على الأصوات التفضيلية الذي قد لا يرحم مرشحيها، إو لجهة تحالفها مع “التيار الوطني الحر” في المناطق المشتركة. الحزب التقدمي الاشتراكي يحتاج إلى تمويل غير متوفر. “تيار المستقبل” يعاني من تخبّط وضياع غير مسبوقين، وما النزلة إلى الشارع يوم الاثنين في مناطق نفوذه، إلّا عينة عن ضغط يريد ممارسته ولكن من دون أفق.

ولهذا يقول بعض المطلعين إنّ هناك تفاهماً ضمنياً بين بري والحريري وجنبلاط للسير بسيناريو تطيير الانتخابات وتأجيلها، كلّ لأسبابه واعتباراته، من دون أن يعني أنّهم سيكونون “أبطال” هذه المشهدية، ولكنهم سيكونون في مقدمة الداعمين لها. ولعل هذا ما يفسّر التوقيت الملتبس لتجدّد الاشتباك بين “أمل” وباسيل، فيما كان يفترض أن يكون العمل باتجاه ترميم الوضع الحكومي، لا شلّه أكثر… ليكون الترقّب على رصيف التطورات الاقليمية، هو سيّد الموقف.