كتبت رلى موفق في “اللواء”:
إنه الدوران في حلقة مفرغة. انخفضت قوة الدفع الإيجابية التي راهن عليها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لإحداث خرق في جدار الأزمة الحكومية لإعادة مجلس الوزراء إلى العمل، والذي تعطل بفعل ربط «الثنائي الشيعي» مشاركته في اجتماعاته بحل عقدة المحقق العدلي طارق البيطار في جريمة تفجير مرفأ بيروت.
كان سقف «حزب الله» بداية مرتفعاً بمطالبته بالإطاحة بالبيطار إما من خلال السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية. لكن استحالة تحقيق ذلك من جهة، وبروز ملفات أخرى تحتاج إلى تسويات من جهة ثانية، أعادا فتح باب الحل عن طريق السلطة التشريعية الذي كان أقفل من خلال تطيير النصاب قبل أشهر. وهو الحل المبني على فصل الملفات في التحقيق، بحيث يوكل ملف ملاحقة الرؤساء والوزراء إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء الذي ينص عليه الدستور، والذي سبق أن تشكَّل ونظر في قضايا عدة، لعل أشهرها قضية محرقة نفايات برج حمود والتي اتهم فيها فؤاد السنيورة كوزير سابق للمالية بإهدار المال العام.
يأتي هذا الحل ضمن سلة متكاملة تقوم على أعمدة ثلاثة قوامها: مسألة البيطار، المؤسسة القضائية، والطعن المقدم أمام المجلس الدستوري في تعديلات قانون الانتخابات النيابية.ويقول مطلعون إن مساعي «الحل المتكامل» أصيبت راهناً بنكسة، من دون أن تنهار كلياً. ولا يزال مخرج مجلس النواب لعقدة البيطار على الطاولة، والعمل جارٍ لحلحلة العقبة التي برزت مع تمسك رئيس التيار الوطني جبران باسيل بتأمين نصاب جلسة مجلس النواب من دون أن يكون شريكاً في التصويت على قرار سحب ملف الرؤساء والوزراء من يد البيطار. وهو الأمر الذي توجَّس منه رئيس مجلس النواب واشترط تصويت التيار الوطني الحر عليه وليس فقط تأمين النصاب.
كانت فرصة حل عقدة البيطار كفيلة بالنسبة لميقاتي لإطلاق سراح حكومته المعلقة. صحيح أنه يعمل مع وزراء حكومته على إعداد سلسلة من الملفات، سواء في ما يتعلق بصندوق النقد أو الكهرباء أو البطاقة التمويلية أو رفع الدولار الجمركي، لكنها جميعها تحتاج في نهاية الأمر إلى انعقاد مجلس الوزراء من أجل السير بها. وبالتالي، فإنه سيبقى عاجزاً عن تحقيق أي انجاز صغيراً كان أم كبيراً من دون تحقيق اختراق في عقدة البيطار التي لاح أفق الحل في شأنها بعدما برزت معالم مقايضة محتملة مع ملف الطعن في تعديلات قانون الانتخابات.
فمع إقرار مجلس النواب التعديل المتعلق بالمقاعد النيابية الستة للمغتربين وجعل اقتراعهم على أساس دوائرهم الانتخابية ما جعل التيار الوطني يطعن بالقانون، دخل الطعن إلى بازار المقايضات، المرتكز على مقايضة تأمين نصاب الجلسة العامة لنزع ملف الرؤساء والوزراء من يد البيطار وإحالته إلى المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء مقابل القبول بالطعن لجهة إسقاط التعديل المتعلق بالمقاعد النيابية الستة. وهو الأمر الذي يعتبره باسيل مسألة فاصلة في تحديد مستقبله ومستقبل التيار السياسي والنيابي.
من تواصل مع ميقاتي خلال الساعات الماضية، يقول إن الرجل أمام أيام حاسمة. هو يعوّل على زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى المملكة العربية السعودية ولقائه ولي العهد محمد بن سلمان من أجل فتح كوة في جدار أزمة لبنان مع الرياض، وأنه يطمح إلى منح الرئيس الفرنسي ورقة استقالة وزير الإعلام كبادرة حسن نية لبنانية تجاه المملكة، لكن هذا الأمر – إذا كان سيحصل – فلا بد له أن يكون اليوم أو غداً، قبل أن تحط الطائرة الفرنسية في السعودية، رغم أن كتلة «حزب الله» صوَّبت في اجتماعها أمس سهامها على رئيس الحكومة، معتبرة أن مقاربة الأزمة مع السعودية «لا تصح بالمجاملة ولا بالاستخفاف بسيادتنا وكرامتنا الوطنية»، في إشارة جديدة لرفضها تقديم ورقة حسن النية هذه. كان موقف الكتلة في هذا العنوان واضحاً على عكس ما تضمنه البيان من رسائل «حمَّالة أوجه» صيغت على قاعدة «الغموض البنَّاء» والأحجية التي تحتاج إلى فك الغازها.
يضرب المتواصلون مع رئيس الحكومة موعداً هو الإثنين لتبيان الخيط الأبيض من الأسود في استحقاقات قد تشكّل اختراقاً ايجابياً بالنسبة للرجل تمده ببعض من الروح. بالطبع، أي خرق على مستوى الأزمة مع الرياض لن يفضي إلى انعقاد مجلس الوزراء، وهو أمر يعلمه ميقاتي علم اليقين. لا قناعة عند أحد بأن ميقاتي قد يقْدِم على الاستقالة، فلا نية أصلاً عند الرجل للقيام بذلك، لاسيما أنه يعلم أنه لا زال حتى الساعة يحظى بغطاء خارجي لاسيما أميركي وفرنسي، كما بغطاء من المرجعية السياسية والدينية السنية في الداخل. وهو يعلم أن مسارات الحلحلة للأزمات العالقة هي رهن مناخات آتية من خارج الحدود ترتبط بما ستخرج عنه مفاوضات فيينا من نتائج من شأنها أن تحدد المسارات التي ستحكم المرحلة المقبلة، وما إذا كانت مسارات نجاح أو فشل أو إدارة أزمات. فلكل من المسارات «سيناريوهاتها» والتي ستنعكس على لبنان وعلى استحقاقاته المقبلة سواء الانتخابات النيابية أو الرئاسية!