كتب خالد أبو شقرا في نداء الوطن:
الاندفاعة القوية التي دخل بها وزراء “معاً للانقاذ” لفرض الإصلاحات سرعان ما تفرملت. الأمور لم تقف عند “تطيير” جلسات مجلس الوزراء وتحويل المصالح الجوهرية للمواطنين إلى شكلية، بل تعدتها إلى تجاوزات في بعض الوزارات تكرّس استمرار سلطة الأمر الواقع. والأهم، أن هذه التجاوزات والقرارات الملتبسة تعطي مثالاً سيئاً عن هيئات رسمية من المفترض بها أن تسهر على تطبيق القوانين والأنظمة في القطاعين العام والخاص.
في نهاية تشرين الأول، تسرب إلى الاعلام خبر مفاده أن وزير الاقتصاد اتخذ تدابير صارمة لتنظيم سير العمل في الوزارة والهيئات الملحقة، بعدما تبيّن له وجود تجاوزات، ولا سيما في لجنة مراقبة هيئات الضمان. فهذه الهيئة تحظى بموازنة استثنائية مع وجود صرف كبير للأموال من دون مراقبة أو محاسبة. الأمر الذي دفع بالوزير سلام بحسب المعلومات إلى طلب تحقيق معمّق وتشريح “Forensic Audit” في عمل اللجنة لكشف ما خفي، تمهيداً لمساءلة المسؤولين عن التجاوزات. النتيجة لم تتأخر كثيراً في الظهور، إنما بشكل معكوس. فبدلاً من التحقيق بشبهات الفساد وتجاوز الهيئة للقوانين، ولا سيما أن هناك ملفاً لها في التفتيش المركزي مقدماً من الوزير السابق منصور بطيش، جرى مؤخّراً تثبيت الواقع وتعيين المستشار القانوني للهيئة (غير الموظف) كرئيس لها بالانابة.
خلافاً للقوانين
تعيين رئيس بالانابة للجنة مراقبة هيئات الضمان، يتطلب أولاً أن يكون المعيّن موظفاً في اللجنة، في حين أن الشخص الذي جرى تعيينه هو مستشارها القانوني. ويرجّح من قرار التعيين المنشور في الجريدة الرسمية، ومن الصفة الممنوحة للشخص المعيّن، حيث أصبح المسمّى الوظيفي له هو “رئيس وحدة الشؤون القانونية”، أنه قد سبق هذا التعيين توظيفه رسميّاً من قبل الوزير الحالي كمستخدم في اللجنة، بدلاً من صفته الاستشارية السابقة. وبحسب رئيس الجمعية اللبنانية لحماية المؤمن لهم والمستشار القانوني للجنة مراقبة هيئات الضمان سابقاً المحامي روجيه كرم، فإن “الانابة كوضعية قانونية نظمتها المادة 34 من المرسوم رقم 1959/2894 تشترط أن ينوب المرؤوس الأعلى رتبة في حال غياب الرئيس، وهذا الأمر غير متوفر في التعيين الأخير الحاصل في اللجنة، على اعتبار أن الشخص المعين قد عمل فيها على مدار السنوات الماضية بصفة استشارية، وهو لا يتمتع بصفة الموظف المرؤوس أو المستخدم. كما أنه ليس الأعلى رتبة من بين العاملين في اللجنة، حيث ثمة مدراء وحدات أعلى رتبة، ويتمتعون بالأقدمية في الوظيفة وبالخبرة المناسبة في مجالي التأمين والرقابة التأمينية”. ويضيف كرم أنه “في حال الافتراض أن ثمة عقد توظيف أو استخدام أجري في اللحظة الأخيرة قبيل هذا التعيين، فان هذين التوظيف والتعيين اللذين تمّا على أساسه يكونان باطلين بالنظر لكون التوظيف في لجنة الرقابة يشترط أصولاً خاصة وشروطاً محددة لحظها نظام اللجنة الداخلي لم يصر إلى مراعاتها. من ضمنها إجراء مباراة توظيف بالتنسيق مع وزارة التنمية الادارية. فضلاً عن أن هناك قوانين قد صدرت مؤخراً تمنع التوظيف في الإدارات العامة، وتحديداً قانون الموازنة العامة لعام 2019 (القانون رقم 144/2019)، وقانون رفع الحد الأدنى للأجور في الإدارات العامة (القانون رقم 46/2017)”.
فتش عن المصالح
حسبما يظهر، يتّضح أن هذا التعيين غير قانوني في جميع الحالات. وهذا يأخذنا إلى السؤال التالي: لماذا الإصرار على مخالفة القوانين وتعيين رئيس للجنة بالانابة خلافاً لكل الأصول؟ الجواب الوحيد المنطقي بحسب متابعين للملف عن قرب ينقسم إلى شقين:
الأول، يتعلق ربما بإعادة البعض النظر في حساباته، والرغبة في التستّر على التجاوزات التي حصلت في لجنة الرقابة خلال الأعوام الأخيرة. علماً أن الرئيس المعين حديثاً بالانابة كان يتولّى في تلك الفترة مهامه كمستشار قانوني للجنة، ومن المفترض أن تكون مختلف الملفات الإشكالية قد مرت عبره. ومن هذه الملفات: موضوع التحقيق في صرف الاموال والمبالغ على مدار السنوات الأخيرة، ومصير حساب اللجنة الخاص الذي يتجاوز 13 مليون دولار، والتعنّت في رفض الاستجابة لطلب وزارة المالية بتحويل الفائض في الحساب المذكور إلى الخزينة العامة بالاستناد إلى أحكام قانون المحاسبة العمومية، فضلاً عن نص المادة 73 من قانون موازنة العام 2019. هذا بالإضافة إلى تعمد الرئيسة السابقة للجنة بالانابة، والتي غادرت منصبها بعد انفجار الرابع من آب، رفع راتبها خلافاً للأصول، واعتراض وزارة المالية على هذا الراتب استناداً إلى أحكام المادة 81 من قانون موازنة العام 2019 التي تضع حداً أعلى لرواتب العاملين في القطاع العام، وتمنع أن يزيد الراتب الأساسي عن 20 ضعف الحد الأدنى للأجور.
الثاني، ويتصل بالمرحلة الدقيقة التي يمر بها قطاع التأمين سواء عبر العمل على إعادة هيكلته وعدم السماح لبعض الشركات بالاستمرار، ومتابعة موضوع التعويضات بما خص انفجار المرفأ، وتقاضي أقساط البوالص بالدولار الفريش، وخروج شريحة واسعة من المؤمنين من نطاق التغطية التأمينية.
أمام هذه التحديات يظهر أن عمل لجنة مراقبة هيئات الضمان مفصلي، وبناء على قراراتها سيتحدد مصير الكثير من شركات التأمين والمؤمنين على حد سواء. وهذا ما يتطلب ان تكون هذه اللجنة موثوقة ولا غبار على أعضائها الموكل اليهم اتخاذ قرارات مصيرية في المرحلة القادمة.