كتبت ريتا بولس شهوان في “نداء الوطن”:
ينتظر اللبنانيون عيد الميلاد المجيد بشوق وشغف، كأنهم أطفال، مهما كان دينهم. فهو من الأعياد التي تذكر الانسان بانسانيته المتجددة المتجسدة بطفولة المسيح فتبعث الإيمان والمحبة والتعاطف مع الآخرين ومحبتهم. وطالما أن تلك المناسبة هي رمز للأخوّة والمحبة، يعتبر اللبنانيون انه لا بد من إحيائها مهما كانت الظروف. ويا للأسف، تمرّ هذه المناسبة هذا العام في لبنان، والآلام تحيط بنا من جوانب متعددة.
من الصعب على العائلة متوسطة الدخل تأمين مصاريف هذه المناسبة من جهة، ومن الصعب أيضاً على العائلات الميسورة الاجتماع بسبب جائحة كورونا. فالشجرة مع زينة كاملة بـ 450 الف ليرة لبنانية، ترسل برسائل قصيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن لا احد قادر على دفع هذا المبلغ لا بالدولار ولا بالليرة اللبنانية لتصبح فكرة التجديد قديمة مع هذه الظروف الاقتصادية التي تشعر حتى الطامح بهذه الخطوة بانه اناني، كما سرد احد متوسطي الحال والقادر على هذه الخطوة. هذا ليس الهم الوحيد بل هناك آخر متعلق بكورونا ومتحور كورونا فكريستين تستلحق نفسها هذا الشهر لتحقن باللقاح وهي التي لم تأخذ بجدية الامر في السابق، الا ان وضع والدها الصحي فرض ذلك، مع اقتراب الأعياد.
التشبث بفرحة العيد كالمتمسك بالأمل، ماري التي اختلفت معها التحضيرات هذا العام بسبب الظروف الاقتصادية، لا تريد التخلي عن “روح الميلاد” بالجمعة مع العائلة، مقللة من عدد الاصناف الغذائية على المائدة “إذ ان الأهم هو ان نجتمع” على حد تعبيرها، اما الهدايا تحصرها بكبار العائلة أي الوالد والوالدة فتضع مبلغاً بحجم قدرتها المادية في مغلف، والله يعرف النوايا على حد قولها الا وهي ان يشعروا بانهم في البال وهناك من يهتم لامرهم.
فرحة العيد تنغصها الـ”واجبات” التي تزيد من الثقل على كاهل الاهل والذين لديهم أولاد، فنورما تحسب حساب هدايا العيد لاولادها التي تضاف على الأقساط المدرسية التي ارتفعت هذا العام ايضاً، مع ذلك لا تريد ان تكسر بخاطرهم، باحثة عن شيء ما يتناسق مع المبلغ الذي في جيبة زوجها والمتبقي من بقايا مصروف المنزل. عمر أولادها الذي يقترب من سن المراهقة، يجعلهم اقرب الى منطق الاهل التوفيري فيتفاهمون معهم، الا ان الامر يختلف بالنسبة الى الأهل الذين لديهم الامكانية ان يغيروا في اولوياتهم مالياً هذا الشهر والذي لن يكون سهلاً بسبب المصاريف المستجدة والشركات لا تدفع كلها راتب شهر إضافي. رالف لا يريد ان يعيش أولاده الا لحظات تحفر في ذاكرتهم عن مدى سعادة طفولتهم وهو احد هؤلاء الذين يحتفظون بذاكرة الحرب، وطفولة وسطها وكان يتأمل ان تكون أيام السلم حاملة السعادة بكل تفاصيلها لاولاده من الهدية الى الشجرة الجديدة التي لم يتمكن من تغييرها هذه السنة. خوف رالف على هذا الجيل كما أولاده من “الظلم” الاقتصادي اللاحق بهم من حبة الشوكولا الى اكبر لعبة التي تسعّر بالدولار هاجس لديه.
هلا (اسم مستعار) موظفة دولة وهي اليوم في عداد الذي أضربوا وتتقاضى سنوياً راتبها، تعيش في أعالي جبيل ستقضي عيد الميلاد مع أمها وشقيقها فلا هم قادرون على الذهاب الى المدينة ولا اهل المدينة قادرون على زيارتهم بسبب البنزين وغلائه، ليقتصر العشاء على الجبنة واللبنة والخبز المحمص أي “أكل الفقراء” كما عبرت، فراتب الـ800 الف هذا، ان تقاضته، سيذهب ربعه الى جرة الغاز ان أرادوا طبخ طبق مميز اذ ناهز سعرها الـ 300 الف ليرة محافظة على الرمز المتبقي للعيد، كي لا يكون يوم ولادة المسيح “نهار ومرق” على حد توصيفها، أي الـ”شجرة” التي تدل على ولادة السيد المسيح وولادة جديدة للإنسانية وهي الشيء المتبقي من أيام “البحبوحة” التي أصبحت هكذا تسميتها باشارة الى مرحلة ما قبل ارتفاع سعر الصرف.
ماذا عن ضحايا انفجار بيروت؟ سألت “نداء الوطن” جيهان (اسم مستعار) التي خسرت كل ما تملك، واقرب الأشخاص على قلبها زوجها في انفجار بيروت، وتتالت الوفيات لتطال أهلها أيضاً وهي تسكن في بيتهم، ليكون مقتصراً عيدها هذا العام على الذكريات والنوستالجيا وربما شمعة تضيئها ليلة العيد عن روح المفقودين وهدية الأمل بان يرمم أكثر من أبواب منزلها الذي ما زال منكوباً.
رئيس جمعية سعادة السماء، الاب مجدي علاوي، بفضل قدرات المتطوعين لديه والمانحين اللبنانيين سيعيّد مع 866 طفلاً في مدينة قرنعون مع الأهالي، والنقل مؤمن من كل المناطق اللبنانية، وسيكون بانتظارهم غذاء، هدية، وقسيمة شرائية ليختار الطفل ملابسه الخاصة، كما اخبر “نداء الوطن” مما يكسبه نوعاً من رضا اذ ان الهدف دعم الوالد اللبناني في هذه الظروف الصعبة. هذا العيد لا يكتمل بدون قداس العيد وريسيتال والاحتفالات التي ستستمر كل هذا الشهر. يعتبر الاب مجدي ان هذا العيد في اطار هذه الظروف لا يجوز ان يمر على الأطفال بدون جو من الفرح اذ ان جوهر العيد هو النظر الى الآخر وتلبية حاجات الآخر فيطلب عبر “نداء الوطن” ان يفكر اللبناني بجاره لو بصحن طبخ في هذا العيد. وقد اشارت مصادر كنسية أن القداس سيجري وفق التعليمات التي ترشد اليها الدولة اللبنانية، فان تشددوا كان تشدداً كنسياً من ناحية الاعداد والإجراءات اما المناولة فاختيارية في اليد او في الفم مباشرة.
هكذا لم يعد امام اللبناني الا التضرع لله، بعدما فقد كل امل بهذه الطبقة السياسية التي لم تترأف لحاله، ولم تترك له الا ربع راتب، ان تَحنّن عليه رئيسه، ليعيّد به مع عائلته بما تيسّر.