كتب منير الربيع في “المدن”:
من رفضَ استقالة وزير الإعلام جورج قرادحي طوال شهر كامل، كان يريد “تسمينه” سياسياً. أو زيادة وزنه لرفع سعره عند البيع. واستُعمل قرداحي ورقة تفاوضية مع السعودية، للكشف عن الثمن الذي يمكن أن تدفعه مقابل استقالته. لكن يبدو أن رفع سعر الرجل، لن يؤدي إلى رفع ثمن “البيعة”، بل ترخيصه.
مكرمة لماكرون
فالثمن الذي يريده لبنان لن تدفعه السعودية. وما تسعى السعودية إلى اكتسابه من لبنان في إجراءاتها، لن تقبضه بنتيجة استقالة الرجل، ولو وضعت استقالته في خانة المكرمة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والذي يريد فتح مسار تفاوضي مع السعودية حول الملف اللبناني.
وفي المنطق السياسي، لا بد للسعودية من أن تتلقف كلام ماكرون، الذي يفترض أن يمهد لحوار غير مباشر أو مباشر مع لبنان حول جملة من المسائل. ولا بد لتلك الخطوة أن تنعكس على الوقائع السياسية الداخلية.
فرنجية واستقالة قرداحي
وقد تأتي استقالة قرداحي نوعاً من الراحة التي يبحث عنها رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. فهو لديه مشروع واضح للوصول إلى رئاسة الجمهورية. واستقالة الوزير تخدم فرنجية إلى أبعد الحدود، سياسياً وانتخابياً، فتسهم في إراحته مع حلفائه في كسروان على صعيد الانتخابات النيابية المقبلة.
وعندما وقعت المشكلة، أتخذ فرنجية موقفاً يفيده في علاقته بحزب الله، فضمن بذلك ثقة الحزب النهائية به. لكن الموقف إياه استدعى رد فعل سلبي من جهات أخرى داخلية وخارجية، خصوصاً من دول الخليج.
لكن بعد استقالة قرداحي، يكون فرنجية قد كسب حزب الله، وفتح الطريق لتحسين علاقته بدول الخليج. فيما يفيده أيضاً فتحه المعركة مع ميشال عون ورئيس تياره جبران باسيل.
ومنذ اللحظة الأولى كان فرنجية يعتبر أن عون وباسيل يريدان استغلال أزمة قرداحي لضرب علاقاته بالخارج، محاولين المراكمة عليها لتسليف مواقف ضمنية للسعودية ودول الخليج بأنهما يريدان استقالة قرداحي. لكن عون لم يعلن هذا الموقف، بل قال إن على قرداحي أن يعرف ما يجب القيام به. وبذلك أراد عون أن يبقى في خانة آمنة مع حزب الله.
لحظة الاستقالة وأبعادها
وجاءت لحظة استقالة قرداحي على وقع زيارة ماكرون إلى السعودية، وبالتزامن مع مفاوضات فيينا. فطهران وجدت أنها في حاجة إلى تسليف الفرنسيين شيئاً ما، لإثبات استمرار التعاون بينهما إقليمياً ولبنانياً.
ولكن الاستقالة جاءت أيضاً على وقع مفاوضات بين عون وباسيل مع حزب الله، لإيجاد مخرج لإعادة تفعيل عمل الحكومة وحلّ مشكلة التحقيق ومصير القاضي طارق البيطار.
وهذه المفاوضات مستمرة ولا تزال تبحث عن صيغة يرضى فيها التيار العوني بتوفير نصاب جلسة مجلس النواب، لإقرار حصر التحقيق مع الرؤساء والنواب والوزراء بالمجلس الأعلى لمحاكمتهم. وهذا في مقابل ثمن سياسي يطالب عون وباسيل بقبضه. وعرض حزب الله عليهما مقابلاً معقولاً: قبوله الطعن بتعديلات قانون الانتخاب، والبحث في التحالف الانتخابي مع حركة أمل في الدوائر التي يحتاج فيها التيار إلى دعم في التصويت. لكن عون وباسيل طلبا أكثر من ذلك: إعلان موقف وصريح داعم من حزب الله لباسيل في معركة رئاسة الجمهورية. لكن الحزب لا يريد حالياً إطلاق أي موقف في شأن ذلك.
مايسترو الاستقالة
إصرار عون وباسيل على طلب موقف حزب الله الاستباقي، لا ينطلي على الحزب الذي يعلم أن حليفيه يجيدان لعبة المقايضة أو الابتزاز السياسي. لكنه يعتبر أن هذه اللعبة تخدمهما في مواجهة جهات أخرى غير الثنائي الشيعي.
هنا اجتمعت جملة معطيات، دفعت حزب الله إلى تمرير فرصة جديدة لسليمان فرنجية: تحسين علاقاته الخارجية، كرسالة ضمنية إلى باسيل بالاكتفاء بما لديه حالياً، وعدم الذهاب بعيداً في شروطه ومطالبه.