على بعد بضعة اميال من لبنان، نزلت طائرة الحبر الاعظم منذ يومين. هو جال في قبرص، جارة بيروت، التي لا تفصلها عن الجزيرة سوى دقائق معدودة جوّا، الا ان البابا فرنسيس، لم يكمل مشواره نحونا.
المشهد مؤسف ومعبّر في آن، بحسب ما تقول مصادر سياسية معارضة لـ”المركزية”، ذلك ان العقبة الاساس التي حالت دون ان تشمل جولة “الجالس على كرسي بطرس”، بلدَنا، سياسيّةٌ، تسببت بها المنظومة الحاكمة. ففي لبنان، لا حكومة تعمل، بل الشلل يطال المؤسسة الاساسية الملقاة على عاتقها مهمة انقاذ الوطن المنهار… وقبل ان تستعيد الدولة نشاطها و”هيبتها”، لن يزور الحبر الاعظم البلد الصغير.
هو، بحسب المصادر، يريد ان يشكّل هذا الموقف، ادانة لاداء الطبقة السياسية، الا انه في الوقت عينه، يريده ان يكون حافزا لها، لتُحسّن سلوكها والاداء. فالبابا الذي يعمل منذ اشهر لمساعدة لبنان وشعبه، ليس ابدا في وارد “مقاطعتهما”، بل يرى ان ربط زيارته بيروت، بحلّ سياسي شامل يُطلق ورشة النهوض ببلاد الارز من جديد، يخدم اللبنانيين اكثر.
على اي حال، حضر الملف اللبناني في صلب زيارة البابا فرنسيس الى قبرص. فقد عبّر وفي أول محطة له في “الجزيرة”، عن “قلق شديد” إزاء الأزمة التي يواجهها لبنان، ودعمه للشعب اللبناني في الأزمة التي يعيشها. وجاء موقفه هذا على مسامع مسؤولي الكنيسة المارونية الذين تقدمهم البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقد اطلقه من كاتدرائية سيدة النعم المارونية في نيقوسيا القديمة. البابا قال وفق الترجمة إلى العربية التي وزعها الفاتيكان “عندما أفكر في لبنان، أشعر بقلق شديد للأزمة التي يواجهها، وأشعر بمعاناة شعب متعب وممتحن بالعنف والألم”، مضيفاً “إنني أحمل في صلاتي الرغبة في السلام التي تنبع من قلب ذلك البلد”.
وفي سياق الرعاية الفاتيكانية الدائمة للبنان، تذكّر المصادر بأن الحبر الاعظم كان استقبل شخصيا في الكرسي الرسولي، منذ ايام، رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، وبأنه كان خصص يوما للصلاة من اجل لبنان في تموز الماضي. اما خلال لقاءات البابا مع زعماء العالم في روما منذ اسابيع، وفي اتصالاته معهم وعلى رأس هؤلاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، فلم يتأخّر مرة، في تذكيرهم بالقضية اللبنانية وبضرورة بذلهم كل الجهود الممكنة لمساعدة البلد الصغير على الخروج من مأزقه السياسي وازماته المعيشية والاقتصادية والمالية…
كما ان اهتمام الفاتيكان بالوضع اللبناني سيتجلّى من جديد قريبا، في زيارة من المتوقع ان يقوم بها وزير خارجية الفاتيكان بياترو غالاغر الى بيروت بين أواخر كانون الثاني ومطلع شباط المقبل.. فهل تكون هذه الجولة تمهيدية لزيارة البابا للبنان، اي هل تكون المنظومة فهمت الرسالة وستوقف الصراعات والمناكفات وتُطلق يد المؤسسات وتلتزم مواعيد الاستحقاقات، فيكسب الوطن الجريح “نعمةَ” زيارة الحبر الاعظم اراضيه؟