جاء في الراي الكويتية:
في موازاة هذا البُعد من استقالة جورج قرداحي، فقد بدا رئيس الحكومة نجيب ميقاتي وكأنه أزاح عن كاهله عبء ملفٍّ تشابَك مع الأزمة الحكومية المرتبطة بإصرار الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري على إقصاء المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار، ليصبح التركيز منصبّاً بالكامل على اجتراح مخرج لهذه الأزمة المستحكمة منذ 12 تشرين الأول الماضي، وسط رصدٍ دقيق لِما إذا كانت الاستقالة من ضمن «صفقة» أو مقايضة تشتمل على «تقليم أظافر» المحقق العدلي في «بيروتشيما» وكف يده عن ملاحقة الرؤساء والوزراء وتكريس ذلك في عهدة المجلس الأعلى لمحاكمتهم عبر آلية تمر بالبرلمان وربما أيضاً على منْح رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل «هدية» وقف العمل باقتراع المغتربين للـ 128 نائباً كل في دائرته لدورة ربيع 2022 وفق التعديل الذي أدخله البرلمان على قانون الانتخاب وطعن به «التيار».
وإذ كان ميقاتي عبّر عن هذا الاستعجال بتذييله بيان ما بعد استقالة قرداحي بتجديد «مطالبة جميع الاطراف بالعودة الى طاولة مجلس الوزراء للقيام بتنفيذ ما هو مطلوب من الحكومة في هذا الظرف الصعب»، فإن أي مؤشرات لم تبرز بعد إلى أن أرضية هذه الصفقة باتت مكتملة، في ظلّ تَرَقُّب المدى الزمني الإضافي الذي سيمنحه رئيس الحكومة قبل أن يوجّه دعوة لجلسة لمجلس الوزراء يفضِّل ألا تكون «مفخّخة» بأزمة بيطار وأن يكون سبقها سحْب فتيل هذا الملف تلافياً لمقاطعة الثنائي الشيعي ونقل المشكلة إلى بُعد أكثر احتداماً.
ولم تبرز معطياتٌ تشي بتراجُع «التيار الحر» عن رفْض التصويت «الجَماعي» من تكتله لمصلحة تكريس صلاحية «الأعلى للمحاكمة» في ملاحقة الرئيس السابق للحكومة حسان دياب و4 وزراء سابقين (بينهم 3 نواب حاليين) واقتصار موافقته على توفير نصاب انعقاد جلسة نيابية تطرح هذا البند، وهو ما يرفضه بري الذي يتريث تبعاً لذلك في الدعوة لمثل هذه الجلسة (علماً أن جلسة تشريعية للبرلمان تُعقد الثلاثاء).
وجاءت «رسائل» الأفق المسدود حتى الساعة حكومياً مزودجة:
أولاً على لسان وزير الثقافة محمد المرتضى الذي طالب رئيس الجمهورية ميشال عون «الذي أقسم اليمين على احترام الدستور وصون المؤسسات، بأن يعمل على تصويب المسار، لا بالتدخل في شؤون السلطة القضائية، ولكن بإخراج الطاغوت من دار العدالة، وبإيجاد وسائل تنفيذية لتوكيد احترام الدستور والقوانين من جميع السلطات»، معلناً «ان العدالة بوابة انتصار الحقيقة»، قبل أن يتساءل «كيف لطالبي الحق أن يدخلوا إلى رحابها إذا أحكمت أقفالها ورُميت مفاتيحها في بحر المشاريع الشخصية والسياسية والسلطوية الخارجية والداخلية»؟
وثانياً بمضيّ «التيار الحر» في رفْع الضغط على رئيس الحكومة، مطالباً إياه بـ «القيام بواجبه الدستوري بدعوة مجلس الوزراء للانعقاد وبحث المواضيع والملفات التي يُفترض به اتخاذ قرارات في شأنها، ولا سيما الحياتية المتصلة بيوميات الناس»، «مكرراً» الاستياء من استمرار تعطيل مجلس الوزراء من دون أي مبرّر، فالحكومة غير مسؤولة ولا صلاحية لها في حسم الخلاف القضائي القائم. وإيجاد الحلّ هو من صلاحية القضاء أو مجلس النواب الذي يمكنه أن يتّبع الأصول اللازمة في هذا المجال.
ولم يكن ينقص المشهد الحكومي المقفل، إلا ارتسام معالم إشكالية تتصل بما كُشف عن أن رئيس «تيار المردة» سليمان فرنجية لن يسمي بديلاً لقرادحي الذي كان من حصته، وهو ما قد يفتح باب ريح جديداً في ظل التجاذبات المتوقعة حيال الجهة التي ستتولى اختيار الخلَف، خصوصاً في ضوء تداعيات ذلك على التوازنات «ولو الشكلية» التي بُنيت عليها الحكومة وفق معادلة ثلاث ثمانيات أي بلا ثلث معطّل «نافر» لأي من مكوناتها الرئيسية.