كتبت صحيفة العرب اللندنية:
جاء البيان المشترك بروتوكوليا في خاتم زيارة الرئيس الفرنسي إلى السعودية، وتحدث عن تعزيز العلاقات والتعاون، إلا في الفقرة الخاصة بلبنان التي كان واضحا منها أن فرنسا لا تريد انسحابا سياسيا وماليا سعوديا من لبنان، وأنها تعول على دعم سعودي للمبادرات الفرنسية هناك، وهو يراهن على عودة سعودية سريعة إلى لبنان بالرغم من العقبات التي تعيقها.
وأبدت أوساط سياسية لبنانية تفاؤلا حذرا تجاه الاتفاق الذي تم الإعلان عنه بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والقاضي بعودة الاتصالات بين الرياض وبيروت، معتبرة أن المشكلة ليست في قرار السعودية بوقف التواصل مع لبنان وإنما في الطبقة السياسية اللبنانية التي لا تقدر على الالتزام بما يتم التفاهم عليه علنا بالرغم من التصريحات التي تطلقها في هذا السياق.
وأشارت هذه الأوساط إلى أن عودة السعودية إلى لبنان لن ترضي حزب الله، ولذلك سيعمل عبر حلفائه على خلق توتر سياسي يمنع أيّ دور سعودي في لبنان بالمستقبل، خاصة أنه يعرف أن الرياض إذا قبلت بالعودة إلى لبنان فهي لن تقدم أيّ مساعدات دون تعهدات واضحة بشأن الدور الإيراني المتزايد في لبنان.
وأعلن الرئيس الفرنسي في جدة السبت أنه أجرى مع ولي العهد السعودي اتصالا هاتفيا برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، في إطار مبادرة لحلحلة الأزمة بين الرياض وبيروت. وقال الرئيس الفرنسي قبيل مغادرته السعودية في ختام جولة خليجية قصيرة إنّ “السعودية وفرنسا تريدان الانخراط بشكل كامل” من أجل “إعادة تواصل العلاقة” بين الرياض وبيروت في أعقاب الخلاف الدبلوماسي الأخير.
وكتب كذلك في تغريدة على تويتر “مع المملكة العربية السعودية قطعنا التزامات تجاه لبنان: العمل معًا، ودعم الإصلاحات، وتمكين البلد من الخروج من الأزمة والحفاظ على سيادته”.
ويرى مراقبون لبنانيون أن لجوء ماكرون إلى السعودية في كل مرة بشأن فك أزمة لبنان نابع من أن باريس تعتبر لبنان ساحة سياسية مهمة للحضور الفرنسي، وهي تريد الاستفادة من صداقاتها الخليجية للحفاظ عليه. كما تبني علاقات متنوعة في لبنان للحفاظ على توازن سياسي وطائفي خادم لمصالحها.
وسبق للرئيس ماكرون أن تدخل شخصيا في 2017 للتأكد من مغادرة رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري الرياض بعد أن راجت معلومات عن احتجازه.
وفي أول تعليق لبناني رسمي ذكرت رئاسة مجلس الوزراء اللبناني أن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي قال إن الاتصال الذي جرى بينه وبين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي “خطوة مهمة” نحو إعادة إحياء العلاقات مع السعودية.
وأضافت رئاسة الوزراء في بيان على موقع فيسبوك أن ميقاتي أكد على التزام حكومته بالإصلاح.
ويعتقد مراقبون أن السعودية ربما تقبل بوقف القطيعة مع الجهات الرسمية اللبنانية، لكنها ستظل محتفظة بشروطها ومآخذها، وأنها ربما تسعى بقبولها لإقامة الحجة على طبقة سياسية مرتهنة لحزب الله، وتريد أن تقول للرئيس الفرنسي تعال انظر كيف تسير الأمور، وهو أمر اكتشفه ماكرون بنفسه حين ضغط لأجل تنفيذ مبادرته، لكن السياسيين اللبنانيين أفشلوها بالرغم من كل التحذيرات.
وتأتي مساعي الرئيس الفرنسي لأجل إعادة المياه إلى مجاريها بين الرياض وبيروت بعد يوم من إعلان وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي استقالته بعدما أثارت تعليقات أدلى بها بشأن اليمن خلافا مع دول الخليج أدخل الحكومة في حالة شلل منذ أسابيع، معبرا عن أمله في أن يساهم ذلك في خروج لبنان من الأزمة.
ولم يخف قرداحي في المؤتمر الصحافي الذي عقده الجمعة أنه استقال على أمل أن تساعد استقالته ماكرون على تخفيف حدة الأزمة بين السعودية ولبنان.
وأضاف وزير الإعلام المستقيل “فهمت من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي قابلته قبل ثلاثة أيام بناءً على طلبه أن الفرنسيين يرغبون في أن تكون هناك استقالةٌ لي تسبق زيارة الرئيس ماكرون إلى الرياض وتساعد ربما على فتح حوار مع المسؤولين السعوديين حول لبنان ومستقبل العلاقات اللبنانية – السعودية”.
ويعتقد المراقبون أن تركيز الرئيس الفرنسي في حديثه عن لبنان لا يمكن أن يخفي الاهتمام البالغ لديه بالزيارة وسعيه لبناء علاقة متينة مع الرياض تمكن بلاده من لعب دور مؤثر في الشرق الأوسط في ظل ما تعتقد باريس أنه انسحاب أميركي، وأن المنطقة في حاجة إلى أطراف مؤثرة لتملأ الفراغ.
ورأى ماكرون في تصريحات له الجمعة أن من الضروري الحوار مع السعودية “الدولة الخليجية الأولى من حيث الحجم” للتمكّن من “العمل على استقرار المنطقة”.
وأضاف أن “لفرنسا دورا لتلعبه في المنطقة (…) لكن كيف يمكن أن تعمل من أجل استقرار المنطقة والتعامل مع ملف لبنان والعديد من المواضيع مع تجاهل الدولة الخليجية الأولى من حيث الجغرافيا والحجم”.
ويرى المراقبون أن ماكرون، الذي ذهب إلى الخليج لعقد صفقات مهمة تخدمه في مساعيه للبقاء في الإليزيه لدورة رئاسية أخرى، بدأ يتخلص من الضغوط التي تفرضها عليه بعض المنظمات ومن المزايدات في الساحة السياسية الفرنسية من أجل بناء شراكات متينة تقوم على المصالح، خاصة وهو يعرف أن دول الخليج باتت ترفض ازدواجية المواقف تجاهها ولا تقبل بخطاب في الداخل وآخر في الخارج.