Site icon IMLebanon

ميقاتي إلى السعودية؟

كتب نبيل هيثم في “الجمهورية”:

من حق الرئيس نجيب ميقاتي ان يتنفّس الصعداء، بعد الاختراق الذي تحقق في الجدار السعودي، والذي من شأنه إنْ بني عليه كما يجب، أن يؤدي الى تحوّل جذري في العلاقات اللبنانية السعودية، يعيدها إلى سابق عهدها، ويضع كل الشوائب التي اعترتها منذ سنوات، وخصوصاً منذ «التسوية الرئاسية» في العام 2017 التي جاءت بميشال عون رئيساً للجمهورية

جرى الإتّصال الثلاثي بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس ميقاتي، ثمّة مَن فوجىء بهذا الاتصال، الا انه جلس في مربع التشكيك في إمكان بروز ايجابيات جدية تبدل الصورة القائمة خصوصا ان حجم الشوائب والتعقيدات المتراكمة على خط علاقة لبنان بالمملكة اكثر من ان تحصى واكبر من ان يزول باتصال هاتفي، بل يتطلب جهودا حثيثة وإرادة مشتركة لبنانية سعودية لتبديدها وفتح صفحة جديدة في العلاقات، وهو ما ليس موجودا حتى الآن. وتبعا لذلك يدرج هؤلاء «الاتصال الثلاثي» في سياق مناسبة هاتفية نزل فيها ولي العهد السعودي عند إلحاح الرئيس الفرنسي، وجامله في الحديث مع رئيس حكومة لبنان.

في مقابل ذلك صورة تنسف التشكيك، وتقارب هذا الحدث كـ«قفزة ايجابية» تؤسس لاعادة فتح الباب السعودي أمام لبنان. وتعزز هذه المقاربة ما وصفت بـ»اشارات مريحة» من باريس، تؤكد انّ الرئيس الفرنسي حقّق خرقا جوهريّا في السّعودية مرتبطا بعلاقة المملكة مع لبنان ودورها في تقديم المساعدات له، ولن يطول الوقت حتى تظهر ترجمته سريعا، لا سيما على الصعيد الديبلوماسي.

العارفون في تفاصيل الاتصال وخلفيته، وربطاً بالارتياح الفرنسي للنتائج التي حققها ماكرون في السعودية، باتوا يراهنون على ايجابيات، واولى مؤشرات الانفراج تتبدى في خطوة اعادة السفير السعودي وليد البخاري الى لبنان (والرئيس ماكرون تلقى وعدا بذلك من ولي العهد السعودي) وكذلك اعادة السفير اللبناني الى الرياض، وهذا يستتبعه تلقائياً انفراج ديبلوماسي بين لبنان وبعض دول الخليج التي أعلنت قطيعة ديبلوماسية معه، وكذلك يستتبعه تدرّج في فك القيود الخليجية التي فرضت على لبنان.

كذلك يبني العارفون تفاؤلهم بالايجابيات على الارتياح البالغ للنتائج لدى رئيس الحكومة. وايضا على ما احاط الاتصال الثلاثي، ففي الحقيقة هما اتصالان حصلا بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي وليس اتصالا واحدا، وقيل فيهما لميقاتي ما كان يأمل ويحب ان يسمعه مباشرة بلسان سعودي مسؤول عكس مشاعر عاطفية وودية وحرصاً على لبنان : «نحن نحبّ لبنان، ولن نتركه»، وايضا لناحية ابداء الحرص البالغ على الشعب اللبناني ومساعدة لبنان على تجاوز محنته. وعلى ما يقول العارفون ان السعوديين لا يرفضون مساعدة لبنان ولكنهم يريدون ان يعرفوا اين ذهبت الاموال في لبنان، وخصوصا تلك التي دفعوها على مدى سنوات.

وكترجمة لما دار في التواصل الثلاثي، وكذلك للحديث المباشر بين ميقاتي وولي العهد السعودي، لا يستبعد العارفون ان تُستتبع ايجابيات هذا التواصل، بزيارة يقوم بها الرئيس ميقاتي الى السعودية في وقت ليس بعيدا للقاء ولي العهد السعودي، خصوصا ان هذه النقطة أُثيرت بـ»نفس ايجابي» خلال الاتصال الهاتفي. وفي سياق الايجابيات ايضا ليس مستبعدا ان ينطوي جدول اعمال الرئيس ميقاتي على سفرة قريبة الى المملكة لاداء فريضة العمرة.

اولاً، انّ زيارة ماكرون الى السعودية كانت متكاملة ومؤيدة ومنسقة بالكامل مع الجانب الاميركي. وتعكس ارادة واضحة بعدم سقوط لبنان وهزيمته امام ازمته التي يتخبط بها. وهذا ما عبر عنه بشكل مباشر الحضور اليومي للرئيس الفرنسي على الخط اللبناني عبر اتصالات متتالية اجراها مع بيروت وتحديدا مع رئيس الحكومة، والتي تعكس ان ميقاتي يحظى بثقة قوية واكيدة لدى الرئيس ماكرون وبأنّه قادر على قيادة الامور في لبنان في الاتجاه الذي يضعه على سكة الاصلاحات بما يعيد فتح باب المساعدات في اتجاه لبنان. والبيان الختامي للقاء ماكرون وبن سلمان اكد على هذه الاصلاحات كسبيل وحيد لخروج لبنان من ازمته.

ثانيًا، ان اللقاء بين ماكرون وبن سلمان افرز رابحَين ومشروعا رابحا. الرابحان هما، الرئيس الفرنسي وفوزه بعقود بعشرات المليارات من الدولارات، وولي العهد السعودي بما يشكله اللقاء مع ماكرون من تعزيز للحضور على المستوى الدولي في ظل بعض الالتباسات القائمة على هذا الصعيد. اما مشروع الرابح فهو لبنان حيث اعاد لقاء الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي رسم خريطة الحل في لبنان، والقى على الحكومة اللبنانية مسؤولية تطبيق مندرجاتها، والتي تقوم على الشروع فورا في الاصلاحات التي تستدعي المساعدات، وهذا يوجب اطلاق عمل الحكومة في هذا الاتجاه حتى ولو اصبح الوقت ضيقاً امامها، خصوصا بعد دخول لبنان في زمن التحضير للانتخابات النيابية. حيث في إمكان الحكومة ان تتخذ خطوات سريعة على صعيد الادارة، وكذلك في امكانها التعجيل في وضع برنامج التفاوض مع صندوق النقد الدولي. مع الاشارة هنا الى ان ثمة مسؤولا جديدا في صندوق النقد قد جرى تعيينه للمفاوضات مع لبنان هو رميريز ريغو بدلاً من المسؤول السابق مارتن سيريسولا، حيث يفترض ان يصل ريغو الى بيروت في الساعات المقبلة.

وللرئيس الفرنسي كلام انتقادي واضح للقادة في لبنان، أبلغه الى مسؤولين لبنانيين وفيه استياء بالغ من ان قادة لبنان لم يقدموا في سبيل اخراج بلدهم من ازمته سوى تأكيد التزام انشائي ولفظي فقط بإجراء الاصلاحات، ومن هنا تأكيده المتجدد على ان لا حلّ في لبنان قبل ان يبادر القادة فيه على اجراء الاصلاحات الحقيقية، تلك التي اكد عليها صندوق النقد الدولي، والتي سبق ان وردت في خريطة الطريق (التي وضعها الرئيس ماكرون في ما سمّيت المبادرة الفرنسية)، فمن دون سلوك خريطة الطريق هذه الى الاصلاحات لن يحصل لبنان على اية مساعدات».

يؤكد ما تقدم ان الاصلاحات المطالب بها لبنان توجِب انعقاد الحكومة، واللقاء بين الرئيس الفرنسي وولي العهد السعودي يلقي على الحكومة الدور الاساس في ان تنقل لبنان من مشروع رابح الى رابح حقيقي، ولكن كيف ستمارس الحكومة هذا الدور طالما ان جلسات مجلس الوزراء معطلة؟

رئيس الحكومة يؤكد انه لن يبادر الى الدعوة لعقد مجلس الوزراء في الجو الخلافي القائم، لكي لا تعتبر دعوته هذه استفزازا لأيّ طرف، ويبدو ان رئيس الحكومة سينتظر طويلا، ذلك ان اسباب التعطيل ما زالت مستعصية على الحل المستحيل لملف التحقيق العدلي، وما حُكي عن حل يقوم على الفصل بين ملف التحقيق بحيث تحصر صلاحية المحقق العدلي بالتحقيق مع الموظفين، على ان يمارس المجلس الاعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء صلاحياته المنصوص عليها بالدستور في محاكمة رئيس الحكومة السابق حسان دياب والوزراء السابقين علي حسن خليل وغازي زعيتر ونهاد المشنوق ويوسف فنيانوس. إن هذا الحل ليس واردا لدى الجهات المجلسية أن يطرح للبت به في مجلس النواب لأنّ احدا لا يضمن إنهاء المشكلة اذ ان المحقق العدلي، وعلى ما يقول المنادون بإزاحته عن الملف، انه وكما لم يلتزم سابقا بالاصول القانونية والدستورية، قد لا يلتزم بما يقرره مجلس النواب. ولذلك مشروع الحل ينبغي ان يأتي من الجهات المعنية، والعين على ما قد يطرحه وزير العدل في هذا المجال.