كتب عيسى يحيى في “نداء الوطن”:
يفرض الشتاء نفسه بكافة مستلزماته على أهالي بعلبك – الهرمل، ويضعهم تحت مطرقة تأمين الحاجات الضرورية التي لا غنى عنها كالوقود والملابس الشتوية، يلاقيه الوضع الاقتصادي السيئ الذي وصلنا اليه ووضع الناس أمام خيارات صعبة.
تحت ضغط الهم المعيشي ورحمة تقسيم الراتب على مشرحة الضروري والمُستغنى عنه عند أول كل شهر، يرزح البقاعيون ويقضون أيامهم بشق الأنفس وعلى أمل فرجٍ طال انتظاره. ومع تبدل الأولويات وتغيّر المفاهيم والعادات والأنماط المعيشية التي كانت سائدة قبل الأزمة التي نعيشها منذ سنتين، يُؤقلم الناس أوضاعهم الاقتصادية ومداخيلهم مع المتطلبات التي يحتاجونها وخصوصاً الأُسر ذات الدخل المحدود.
يبحث الناس في ظل الانهيارات المتتالية لليرة اللبنانية وانخفاض القدرة الشرائية عن التوفير وشراء الأرخص في كافة متطلباتهم، ويلجأون الى محال الألبسة المستعملة “البالة” لرخص أسعارها وقدرتهم على مجاراتها، وبين مرتادٍ لتلك المحال منذ سنين وبين قاصدها حديثاً، نشطت تلك المحال اخيراً في مدينة بعلبك، وأصبحت ذات شهرةً وزحمة من المواطنين، ترتفع فيها حركة المبيع، وتخف أمام وداخل المحال التجارية التي تبيع الألبسة الجاهزة الجديدة. وفي هذا الاطار تقول حنان المرأة الأربعينية لـ “نداء الوطن” إنها تقصد محال الألبسة الأوروبية المستعملة منذ أكثر من خمس سنوات، وهي من الزبائن الدائمين يتصل بها صاحب المحل عند تنزيله البضاعة الجديدة بعد أن يقوم بغسلها وكيّها، وتشتري حاجات أولادها مع بدء فصل الشتاء والمدارس. وتضيف أن قدرتها على شراء الألبسة الجديدة معدومة في ظل ارتفاع الأسعار، وهي تشتري بثمن القطعة الجديدة ثلاث قطعٍ من البالة، “فعلى سبيل المثال أشتري الكنزة بـخمسين الفاً فيما يصل ثمنها جديدة الى مئتي ألف ليرة، أما الجاكيت التي تعتبر أساسية في هذا الفصل ويحتاجها الأولاد فلا يزيد ثمنها عن المئة الف مقابل أربعمئة في السوق”.
من جهته يشير أبو أحمد أنه يعيل أسرة مكونة من ستة أفراد وفي ظل الظروف التي تشهدها البلاد وارتفاع الاسعار، أصبح غير قادر على شراء ملابس الشتاء لافراد عائلته الا من البالة وتحديداً من السوق الشعبي، “فراتبي الشهري لا يتجاوز المليون وخمسمئة الف ليرة لبنانية، ويكاد لا يكفي لشراء الأكل والشرب، لكني مضطرٌ لتلبية حاجات أولادي من ألبسة وأحذية تتوفر بسعر أرخص من الجديد”.
ومع تدني القدرة الشرائية للمواطنين وثبات الدخل وعدم توجههم الى المحال التي تبيع ألبسة جديدة، دفعت أصحابها الى بيع بضائعهم بهامش ربحٍ متدنٍّ علّهم يستطيعون الايفاء بالتزاماتهم من ايجار محال وسداد ثمن البضائع التي يستوردونها بالدولار من الصين وتركيا، وبالرغم من الضائقة الخانقة يشير محمود صاحب أحد المحال لبيع الالبسة الجاهزة الى أن حركة المبيع وإن تراجعت نسبتها لكنها لا تزال موجودة ولها زبائنها الذين يقصدونه ويشترون مهما علا السعر الذي يباع وفق سعر الصرف.
وعلى المقلب الآخر يوضح هاشم، صاحب أحد محال البالة في بعلبك أن حركة المبيع لديه كبيرة جداً وتشهد اقبالاً من المدينة والقرى المجاورة، فهو يستورد البضائع الأوروبية الجيدة، ويقصده الأغنياء والفقراء معاً، رافضاً تحديد البالة بأنها للفقراء فقط، وهو يتماشى مع متطلبات العصر والتكنولوجيا، حيث أنشأ صفحة على وسائل التواصل الاجتماعي لعرض بضاعته والتي لاقت رواجاً كبيراً واقبالاً. وأضاف أنه ورغم استيراد البضائع الاجنبية وبالدولار لكنها تبقى أقل سعراً وتكلفةً من غيرها، وهو يراعي أوضاع الناس الاقتصادية الصعبة ومعظم الأحيان لا يتجاوز ثمن القطعة لديه الأربعة دولارات.
وعلى خط شراء المستعمل تنشط حركة الخياطين في بعلبك لجهة تصليح الثياب القديمة قدر الامكان كي تخدم أصحابها لفترة أطول، وبعدما كانوا يعملون في تقصير الجديد وحياكته، تحولت مهنتهم الى التصليح والرتي، ويقول الخياط محمد ج. إن ما يرونه من الناس ونوعية الثياب التي يسعون لتصليحها لاعادة استخدامها تفضح المستور من الأوضاع التي يعيشونها، فهناك ثياب مرّ عليها الدهر ولم تعد صالحة لكن أصحابها يتمسكون بها في ظل الغلاء الفاحش، موضحاً أن حركة الناس ممن يشترون الجديد ويعدلونه ضعيفة جداً.