كتبت ليلي جرجس في النهار:
اتفق النواب اليوم (الثلثاء) على فرض غرامة على من ينشر الوباء، ويعتبر غير الملقّحين الفئة الأكثر استهدافاً برأي البعض، بغض النظر عن صحة هذه المقولة علمياً، لأن الملقح كما غير الملقح ما زال قادراً على نقل العدوى، ومع ذلك لم يجتمع مجلس النواب ليبحث في كيفية تأمين أدوية أساسية لمرضى السكري والضغط والقلب وغيرهم لأن محتكري الدواء برفضون تسليم الدواء على السعر الجديد.
وفق ما جرى تداوله تمّ إقرار قانون من خارج جدول الأعمال بدفع غرامة لمن يمتنع عن أخذ لقاح كورونا من 50 ألف ليرة إلى 250 ألفاً، مع الإشارة إلى أن هذا القانون لا يلزم أخذ اللقاح إنما يعرّض ناشر الوباء إلى هذه الغرامة.
يتحدث وزير الصحة العامة فراس أبيض عن التباس في فهم ما أقرّ، “القرار لا علاقة له بغير الملقّحين، هناك التباس حصل اليوم، لأن الغرامة تخصّ ناشر الأوبئة أو الذي يرتكب أموراً تؤدي إلى نشر الوباء. القانون ليس بجديد وإنما رفع الغرامة هو الذي اختلف حيث ارتفعت التعرفة من 50 ألفاً إلى 250 ألف ليرة. ما حصل هو لغط داخل الجلسة”، وفق تعبير الوزير.
ردات فعل عدة ملأت “السوشيل ميديا”، فنحن دولة تجني ولا تعمل، تبحث عن حلول سريعة لمشكلة تستوجب إجراءات منطقية وعملية في مرحلة عصيبة وأزمة اقتصادية تزيد استشراء وقساوة. لم يجتمع مجلس النواب إلا لإقرار “الحقنة”. هكذا قرأ البعض ما جرى اليوم في مجلس النواب، لا تعنيهم صرخات عشرات المرضى الذين يعجزون عن دفع فاتورتهم الدوائية، لم يلتفت النواب لدموع أهالي المرضى الذين يعجزون عن ادخال عزيز عليهم إلى المستشفى لعدم توفر “المال ” أو الفريش دولار، لكنهم استمعوا إلى أهمية تطبيق قانون لمنع الفوضى التي قد نشهدها في موسم الأعياد والاكتظاظ الذي قد تنتج عنه كارثة صحية نحن لا قدرة لنا على تحملها.
لطالما طالبنا بأهمية تطبيق الإجراءات الوقائية لمنع انتشار فيروس كورونا، لكن الحق يُقال لا يمكن التمسك بقانون وغض النظر عما يجري على أرض الواقع. رُفع الدعم جزئياً عن أدوية الأمراض المزمنة، لكن لا أدوية في الصيدليات ولا حتى الجنريك، الناس تحمل صحتها بين أيديها وتدور في الصيدليات بحثاً عن بديل معقول، إما الدوء مقطوع أو سعره نار.
لكن أن تموت الناس بأمراضها شيء وأن تموت من الفيروس شيء آخر. لا يمكن تجزيء الصحة، الأولوية في الحفاظ على صحة اللبنانيين ولكن كيف يمكن أن تكون الغرامة هي الحل وليس اجراء فحص الـpcr مجانياً؟
التباعد الاجتماعي والكمامة من شأنهما التخفيف من انتشار الوباء، هذا القانون الذي شهدنا على تطبيقه بين الحين والآخر في فترة الإغلاق وفي نسب متفاوتة بين منطقة وأخرى، يعود بصيغة مختلفة وبطريقة مقنّعة. اليوم يستهدف فئة أو شريحة معينة أكثر من غيرها، ليس مبرراً أن يخرج الناس من دون أدنى إجراءات، إلا أنه في المقابل: هل يمكن للشخص تحمل كلفة الـpcr (100 أو 150 ألف حسب المستشفى) كل يومين حتى يخرج بعد الساعة السابعة مساءً؟
وماذا عن الفوضى في بعض المستشفيات لناحية كورونا وأماكن أخرى؟ وما هي الإجراءات المتخذة في المطار لعدم تسرب متحور”أوميكرون”؟ أسئلة كثيرة مشروعة يطرحها كثيرون، بعضها محق وبعضها يسقط من تلقاء نفسه، فماذا يكشف وزير الصحة عما جرى داخل الجلسة؟ وما هو هذا القانون الذي أحدث جدلاً وفوضى داخل القاعة؟
يؤكد وزير الصحة فراس الأبيض في حديثه لـ”النهار” أن “القرار لا علاقة له بغير الملقّحين، هناك التباس حصل اليوم، لأن الغرامة تخص ناشر الأوبئة أو الذي يرتكب أموراً تؤدي إلى نشر الوباء. القانون ليس بجديد وإنما رفع الغرامة هو الذي اختلف حيث ارتفعت التعرفة من 50 ألفاً إلى 250 ألف ليرة. ما حصل هو لغط داخل الجلسة، القانون لا يُسمي غير الملقّح وإنما الشخص الذي لا يحترم الإجراءات الوقائية. الشخص الذي يتجول وينتهك التدابير الوقائية والشروط، وعن المكان ونوع المخالفة كل هذه الأمور ستكون في عهدة القوى الأمنية وتقديرها، بتوجيه انذار أو فرض مخالفة”.
ويستشهد الأبيض بمثل “إذا وصل شخص من المطار ولم تصدر بعد نتيجة الـpcr وقرر الخروج، لن تؤثر غرامة 50 ألف لمعاقبته، لذلك تعتبر الغرامة موجعة عندما تكون مكلفة. وفي مقارنة مع الدول الأخرى، تبلغ غرامة المخالفة 100 دولار في دول الخليج. نحن لسنا في صدد سلب المال من الناس وانما في تعزيز الوقاية وحماية المجتمع. ليس منطقياً أن يرفض الشخص تلقي اللقاح وأن يرفض الامتثال إلى الإجراءات الوقائية، فهو يعرّض نفسه وغيره للخطر”.
وعن العدوى التي قد ينقلها الملقّح كما غير الملقّح، يرفض الأبيض هذه المقاربة، شارحاً “لا يمكن أن ننظر إلى سائق يقود سيارته على سرعة 30 كلم وتسبب بكسر ساق شخص كمن يقود سيارته بسرعة 150 كلم متسبباً بأذية شخص آخر. فالأول كان يقود ضمن القانون أما الثاني فخالفه ولا يمكن محاسبتهما بنفس الطريقة.”
الهدف من الإجراءات هو التشديد من دون إغلاق البلد، وبالتالي نطلب من الناس التطعيم ومن ثم الخروج والسهر. لكن من غير الجائز رفض اللقاح وعدم اجراء الـpcr والتجول والاختلاط مع الناس، فهذا تصرف مرفوض.
صحيح أن اللقاح حرية، وفق الأبيض “لكن عندما تعرّض حياة الآخرين للخطر فهذا يتخطى الحرية الفردية. المستشفيات غير جاهزة ونحاول درء الكارثة باتخاذ التدابير وفرض القيود المشددة لمنع تكرار سيناريو صحي كارثي.
رأي الوزير يُقابله رأي شريحة رافضة للقاح لأسباب عديدة، ومن بينها السيدة ماري تيريز ميشيل فهد التي أعربت لـ”النهار” عن امتعاضها من هذا القرار بالقول “إنها طريقة إجبار مقنعة للذين يرفضون اللقاح، لم يحترموا حريتي الشخصية ومخاوفي، وأنا مقتنعة بعدم تلقيه ولكني ملتزمة إلى أقصى حدود بالإجراءات الوقائية من ارتداء كمامة وتباعد اجتماعي وغسل اليدين”.
لكن بالنسبة لهم أصبح المطعم محمياً وغير المطعم خطراً، في حين أن الحقيقة والدراسات العلمية أثبتت أن اللقاح لا يمنع نقل العدوى، وبالتالي هو معرض للفيروس، وقادر على نشر العدوى. فلماذا يحق له التجول والسهر والاستمرار في حياته في حين أخضع لقوانين قاسية وحتى لتهديد بالطرد من عملي بسبب رفضي للتطعيم؟ الملقّحون غير ملتزمين بالإجراءات أكثر من غير الملقّحين، باعتبار أنهم محميون، لكن الحقيقة ليست كذلك”.
وتساءلت عن خوف الدولة على الناس ورفضها للتطعيم لكنها لم تخف على المرضى المحرومين من أدويتهم ومن دخولهم إلى المستشفى بسبب الغلاء الفاحش وانقطاع الأدوية. “الناس عم بتموت من الجوع ومن الفقر والذل، وهني بس عم بفكروا بكورونا”.