كتب منير الربيع في “المدن”:
لا يزال لبنان يترقّب مساراً سياسياً يفترض أن تعكسه نتائج زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للمملكة العربية السعودية.
وهناك تفسيران لبنانيان لما جرى في الرياض: أن يكون ماكرون جادّاً جداً في تبنّيه الطرح السعودي، المتضمن شروطاً تبدأ بالقرار 1559 وتطال حزب الله مباشرة. وإما أن يكون وافق على البيان السعودي الفرنسي المشترك، كإجراء شكلي لإنجاح زيارته للسعودية وتوفير الاتصال الهاتفي بين ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان والرئيس نجيب ميقاتي. وبالتالي، لا يتغير شيء على صعيد مضمون المواقف والتطورات.
صدمة حزب الله؟
ولم يعد خافياً أن الفرنسيين عملوا جهدهم لتحصيل استقالة وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي، قبل وصول ماكرون إلى السعودية. فقد تواصل الفرنسيون مع جهات دولية عدة منذ أسابيع ثلاثة لتوفير هذه الاستقالة. وأجرى ماكرون اتصالاً هاتفياً بالرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي، استمر أكثر من نصف الساعة من البحث في الملف اللبناني وملفات المنطقة وتنسيق المواقف حول مفاوضات فيينا.
ومن غير المعروف حتى الآن ما إذا كان ماكرون قد أعطى ضمانات للإيرانيين، مقابل استقالة قرداحي وتمرير موقفه المشترك مع السعودية.
وهنا تنقسم الآراء اللبنانية في تقدير حقيقة الموقف: بعض القوى تعتبر أن حزب الله صدمه الموقف الفرنسي المشترك مع السعودية. واعتبر أنه يستهدفه مباشرة، ويناقض تماماً المسار السياسي الفرنسي المتبع معه، تنسيقاً وتواصلاً، وحتى توفير استقالة قرداحي.
في المقابل، هناك جهات لبنانية أخرى تعتبر أن ماكرون مرّر المطالب السعودية لإنجاح زيارته، وأعطى ضمانات مقابلة لإيران. ومنها ضمانة فرنسية لحزب الله: إبرام تسوية داخلية لمسار التحقيق الذي يقوده القاضي طارق البيطار. ولكن مصادر أخرى قريبة من الفرنسيين تنفي ذلك قطعاً، وتؤكد أن باريس غير مستعدة للتنازل عن أي من الثوابت التي ترفع لواءها: استمرار البيطار في التحقيق بانفجار مرفأ بيروت، وصولاً إلى الحقيقة. وعدم قبولها المساومة على الانتخابات النيابية، وإصرارها على ضرورة إجرائها في موعدها. ومنحها الدعم الكامل للحكومة وإعادة تفعيل عملها.
وتكشف مصادر متابعة لـ”المدن” أن ماكرون اتصل هاتفياً مساء الأحد 5 كانون الثاني الجاري، بالرئيس ميشال عون، وأطلعه على نتائج زيارته السعودية، واستعرض معه شروط الرياض لإعادة انخراطها في مساعدة لبنان. وأكد عون أنه سيعرض هذه الشروط على الحكومة، لمواكبتها وإيجاد آلية للتعاطي معها.
ماذا حصّلت السعودية؟
وعملياً، حصل السعوديون في اتصال استغرق ثواني قليلة بين ماكرون وبن سلمان وميقاتي، ما لم يحصلوا عليه في استقالة سعد الحريري في الرياض عام 2017. لقد حصل السعوديون على موافقة فرنسية على مضبطة اتهامهم حزب الله، وهي إياها التي وردت في بيان استقالة الحريري من الرياض. وحصلوا كذلك على شروط تقديم مساعداتهم للبنان، وربطوها بالقرارات الدولية وتطبيقها، وبترسيم الحدود الجنوبية والشمالية، وبضبط دور حزب الله.
والفرق هذه المرة أن ماكرون في العام 2021، غيره في العام 2017، حين قال للسعوديين إن كلامهم كبير. وماكرون اليوم مختلف عن ذلك الذي زار بيروت في العام 2020، بعيد انفجار المرفأ، وقال للناشطين إنه غير قادر على فعل شيء ضد حزب الله، ولا يمكنه السير بانتخابات نيابية مبكرة لأن حزب الله لا يريدها.
خفة السياسة الفرنسية؟
ألا تعبّر هذه السياسة المتقلبة عن تبسيط ملفت يلامس الهواية لدى الفرنسيين؟ وربما هي تعبّر عن التمسك بالصورة والشكل وليس عن المضمون، وتتماثل مع نظرة فرنسية للواقع السياسي في لبنان.
لكن طرح القرار 1559 ليس بهذه السهولة. فثمنه كان قد كلّف رفيق الحريري حياته وإرثه السياسي الكبير. والسياسة الفرنسية هذه تدفع الحزب إلى النظر بالكثير من الريبة والشك للدعم الفرنسي لرئيس الحكومة، إلا في حال تغيّر الموقف الفرنسي.
..وإلا إذا هناك ضمانات فرنسية لطهران وحزب الله تريحهما من أثقال الموقف الفرنسي السعودي المشترك.