كتبت نسرين مرعب لـ”هنا لبنان”:
مواقف رئيس حركة الاستقلال، النائب المستقيل ميشال معوّض واضحة من هذه السلطة. هو الذي تخلّى عنها عقب انفجار 4 آب معلناً استقالته من المجلس النيابي.
انحياز معوّض للشعب اللبناني، جليٌّ في تغريداته، وهو وإن كان يوماً تحالف مع هذه الطبقة السياسية، غير أنّه انتفض عليها، مجرياً مراجعةً وإعادة تقييمٍ لكلّ ما سبق، ومعترفاً أنّه أخطأ يوم آمن بقدرتها على القيام بأيّ إصلاح.
حكومياً، لا يتفاءل النائب المستقيل بقدرات الرئيس نجيب ميقاتي، فيذكّر في حديثٍ لـ”هنا لبنان”، بما سبق وقاله عن الفارق بين الحكومة الحالية وحكومة حسان دياب، قائلاً: “سبق وقلت أنّ الفارق أنّه في حكومة دياب كان هناك محامٍ فاشل لمنظومة فاشلة ومجرمة، أما اليوم فهناك محامٍ “شاطر” للمنظومة نفسها، وبالتالي مهما كانت الشطارة فلا شيء سيتغيّر”.
معوّض الذي يشبّه البلد بمريض السرطان يوصّف هذه الحكومة بالمورفين، الذي يسكّن الوضع دون أن يعالج الأساس، معتبراً أنّها سقطت بالضربات القاضية إن ببدعة الميثاقية، التي لجأ إليها وزراء حركة أمل وحزب الله لتعطيل مجلس الوزراء، وما تبعها من أحداث دموية في الطيونة، أو من خلال توتير العلاقة مع الدول العربية، في وقت لا يمكن فيه إحياء الاقتصاد اللبناني دون الشريان العربي.
أما فيما يتعلق بتصريحات الوزير المستقيل جورج قرداحي، فهي بالنسبة لمعوّض مؤشّرٌ للواقع، فالحكومة بالشكل تشكلت باتصال بين الرئيس الفرنسي والرئيس الإيراني، وبمضمون توازناتها التي فيها أكثرية ممانعة، هي بمثابة الغطاء لتحويل لبنان إلى ساحة من ساحات إيران وجرّ هذا البلد إلى المحور الإيراني في مواجهة الشرعيتين العربية والدولية.
أما فيما يتعلّق بإطلالة رئيس الجمهورية ميشال عون من قطر، وعبر شاشة الجزيرة، وتصريحاته التي وصفت بـ”الهزلية” من قبل العديد من اللبنانيين، فيقول معوّض: “نحن لسنا بانتظار هذه المقابلة كي نرى الفشل الذريع والانهيار الذي وصلنا إليه، والذي تسبب به العهد وكلّ السلطة الحاكمة، القصة لا تتوقف على مقابلة، القضية بنيوية، لبنان اليوم هو بلدٌ مختطف، أولاً من ميليشيا مسلّحة هي جزءٌ لا يتجزّأ من الحرس الثوري الإيراني، وثانياً، من سلطة حاكمة تسطو على الدولة العميقة وتتحكم بالبلد بمنطق الزبائنية والفساد، ومجموعهما هو ما أوصلنا إلى انهيار مؤسساتي اقتصادي ومالي وأوصل اللبنانيين إلى حالة الفقر والذلّ التي يتعرضون لها”.
إلى ذلك يؤكد رئيس حركة الاستقلال أنّ المعركة هي “معركة تحرير لبنان من حالة الخطف التي يتعرّض لها من قبل الميليشيا والمافيا، ونقصد بالمافيا هنا السلطة المتحكمة بمفاصل البلد”.
ويتابع معوّض معلّقاً على دفاع عون عن حزب الله وشرعيته، ليشدّد في هذا السياق على أنّ “المشكلة ليست فقط بهذا التصريح بقدر ما هي بكل المسار الذي دفع بالمجتمعين العربي والدولي لعدم التمييز بين الميليشيا والدولة، وأسقط المعركة التي كنا نخوضها لسنوات للتمييز بين الدولة اللبنانية و بين حزب الله. وهذه الفاتورة يدفع ثمنها اليوم الشعب اللبناني، لاسيّما وأنّ لبنان مرتبط بهويته واقتصاده ومصالحه وانتشاره عضوياً بالشرعيتين العربية والدولية، وما يحدث اليوم ليس فقط مستفزاً وإنّما أيضاً مدمرٌ لهوية البلد ولقمة عيش اللبنانيين”.
وهذ السلطة وفق معوّض تخطط لإلغاء كلّ الاستحقاقات الدستورية، مذكّراً بما حصل في بعض النقابات، ورابطاً بين محاولة ضرب مؤسسات الدولة والهجوم على القضاء في ملف انفجار مرفأ بيروت، معتبراً أنّ هذا السلوك “سيؤدي إلى المزيد من التشنج والتدهور والصدامات وتفكك ما تبقى من الدولة ومن الاقتصاد اللبناني”.
إلى ذلك لا يستبعد معوّض اللجوء إلى “الاغتيال”، لتعطيل الاستحقاقات، موضحاً أنّ الاغتيال هو جزء من “عدّة الشغل” الممانعة، معتبراً أنّه “لا يجب أن ننسى هنا اغتيال لقمان سليم ومسلسل الاغتيالات الذي ارتبط بلبنان لعقود ونحن دفعنا ثمنه شخصياً”.
ويتابع في هذا الإطار معتبراً أنّ “محاولة تعطيل العدالة في موضوع المرفأ هي بمثابة الاغتيال الجماعي، واللبنانيون لا يريدون فقط إجابة عن سبب انفجار النيترات، هناك أسئلة عدة، كيف أتت النيترات، وكيف خزنت في المرفأ؟ من أعطى الأمر؟ ومن غطاه؟ وأين أصبح الفارق بين الكمية التي انفجرت والكمية المخزنة؟ الكمية المهربة المقدرّة بـ 1200 طنّاً أين ذهبت؟ بالمنطق السياسي هذا لا يحدث دون غطاء من الدويلة ودون فساد مستشرٍ”.
ولا ينسى معوّض القمع الذي يتعرّض له اللبنانيون، وتقويض الحريات العامة، مشيراً إلى أنّ “كل ما سبق يؤكّد أنّنا لا نواجه مجرّد سلطة، بل نواجه حالة من التسلط على لبنان عبر سلطة حاكمة تستخدم كل الأساليب المتاحة وغير المتاحة بما فيها القمع والقتل لضمان استمراريتها”.
وفيما يتعلّق بجبهة المعارضة اللبنانية، التي تضم إلى جانب حركة الاستقلال، حزب الكتائب، تقدّم، أنا خط أحمر، لقاء تشرين، نبض الجنوب، اتحاد ثوار الشمال، عامية 17 تشرين، REBELS، ثوار عكار، التجمع اللبناني في فرنسا، تجمع مواكبة الثورة، وناشطين مستقلين، فيوضح معوّض أنّ الجبهة انطلقت من عدة ركائز:
أولاً: أنّ المعركة هي معركة سياسية وطنية، يعني أنّها ليست طائفية أو سوسيولوجية بين مجتمع مدني وقوى سياسية، أو طبقية بل هي معركة سيادة وإصلاح، في وجه هذه السلطة الحاكمة.
ثانياً: أحادية السلاح وحياد لبنان الإيجابي تحت سقف الانتماء للشرعيتين العربية والدولية وعدم التدخل بشؤون الآخرين، وإنهاء ملف ترسيم وضبط الحدود الجنوبية والشمالية والشرقية، وصون حقوق لبنان لاسيّما النفطية في المياه.
ثالثاً: الإصلاح السياسي، فالوجه الثاني لسلاح حزب الله و7 أيار هو مفاعيل اتفاقية الدوحة، التي أعطت لأحزاب المذاهب حق الفيتو، وطبعاً هناك فيتو ذهبي لحزب الله وفيتو نسبي لباقي الأحزاب.
وفي تعليق على هذه الركيزة، أكّد معوّض أنّه بمنطق “ميثاقية الدوحة دكانة ما بتندار”، مشدداً على أنّه “ما من حل إلاّ بإسقاط مفاعيل 7 أيار الدستورية، إذ لا شيء في الدستور يقول بإعطاء حق الفيتو لأحزاب المذاهب، هذا الأمر فرض بسلاح 7 أيار وتسبب بتعطيل المؤسسات وتفكيك الدولة لتقوية الدويلة”.
وأوضح معوض أنّ الحل هو بالعودة إلى الدستور وببناء دولة مدنية لامركزية ذات قضاء مستقل، دولة توفّق بين إدارة التعددية والمواطنة والحداثة، وتؤكّد على مبدأ المحاسبة والمساءلة للجميع.
رابعاً: إعادة تكوين الاقتصاد اللبناني على أسس الاقتصاد الحر والمنتج والعادل، وهذا يتطلّب إصلاحات جذرية في القطاع العام ومحاربة الفساد والزبائنية، وتصغير حجم القطاع العام في الاقتصاد كما يتطلّب ضرب الاحتكارات والمافيات وإصلاحات مالية من خلال تغيير جوهري في السياسات المالية وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتوزيع عادل للخسائر وليس كما يحصل اليوم، تحميل المودع والشعب اللبناني الخسائر التي تسببت بها المافيا في البلد.
كيف ستخوضون هذه المعركة؟
“مفرقين منخسر، موحدين منربح”، يجيب معوض، مضيفاً: “في هذه المعركة يجب أن تجتمع على هذه الركائز القوى المنبثقة من الثورة، والقوى السياسية السيادية والإصلاحية الموجودة من قبل الثورة، ويجب أن يتّحد الجميع على اختلافهم في مواجهة السلطة الحاكمة بشقيها الميليشياوي والسياسي الزبائني المارق. لذا فالأولوية اليوم لتكوين إطار ائتلافي واسع، لأنّ أيّ تفتيت للمعارضة وأي معارك جانبية كتلك التي شهدناها في بعض النقابات سيصب في مصلحة السلطة الحاكمة”.
وفي سؤال عن حلم 14 آذار، يرى معوّض أنّ “معركة استرجاع لبنان لا تخاض بمنطق 14 آذار التقليدي، إذ أنّ تجربة 14 آذار السياسية أكّدت أنّ معركة السيادة لا يمكن أن تخاض من دون معركة الإصلاح وبناء مشروع الدولة. فقد سقط مشروع 14آذار يوم تخلّت المكونات الأساسية فيه عن مشروع العبور إلى الدولة واستبدلته بمشروع العبور إلى السلطة. فلا سيادة من دون إصلاح ومشروع دولة كما لا إصلاح من دون سيادة، ومن هذا المنطلق يجب مواجهة كل أحزاب السلطة الحاكمة الذين شرّعوا سلاح حزب الله بمساواتهم وفسادهم، لذلك أركز دائماً على الميليشيا والمافيا”.
الحوار مع معوّض لا يمكن أن يختم دون الحديث عن نشاطات “مؤسسة رينيه معوّض”، فما هي خططكم؟
يجيب معوّض: “محور عمل مؤسسة رينيه معوّض في كلّ لبنان، هو الإنسان، الإنسان أيّ أولاً حمايته عبر مشاريع الأمن الغذائي والصحة والحماية المجتمعية والتربية، وثانياً وعلى وجه الخصوص، بناء قدراته لأن فلسفة مؤسسة رينيه معوّض الأساسية هي تعليم هذا الإنسان الصيد وليس إعطاءه السمكة، وهذا يتبلور عبر تطوير الاقتصادات المحلية والعمل مع السلطات المحلية والبلديات (30% من بلديات لبنان) كما مشاريع تنمية مستدامة عبر دعم المؤسسات الصغيرة والمتوسطة والتدريب والتنمية الاقتصادية والزراعة، ومشاريع مؤسسة رينيه معوّض تطال أكثر من 2200 مزارع يصدّرون عبر المؤسسة منتجاتهم إلى أسواق جديدة مثل الأسواق الأوروبية”.
ويضيف: “مؤسسة رينيه معوّض تضم اليوم، أكثر من 300 موظف، وتعمل في كل لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ومن عكار إلى النبطية ومن بيروت إلى عرسال، وطالت مشاريعها أكثر من 500 ألف مستفيد في عام 2020، ونفتخر أننا أصبحنا مثالًا في الاحتراف في التنمية المستدامة وفي الشفافية وفي العمل الإنمائي بعيداً عن الزواريب السياسية أو المناطقية”.