كتب عماد مرمل في “الجمهورية”:
استحوذت الحصيلة اللبنانية للقاء الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الاهتمام الداخلي، بالنظر الى نجاح الأول في إقناع الثاني بالتكلم عبر الهاتف مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في أول تواصل من نوعه بين القيادة السعودية ورئيس الحكومة. الّا انّه لا يزال مبكراً توقّع نتائج حاسمة من «ديبلوماسية الهاتف»، في انتظار تبيان طبيعة المرحلة التي ستليها.
بدا ميقاتي في غاية السرور والحبور بعد تلقّيه الاتصال المزدوج من ماكرون وبن سلمان. كان هذا «الاتصال المركّب» إشارة واضحة الى انّ ميقاتي ربح مرتين: مرة عندما ضغط بقوة في اتجاه استقالة الوزير جورج قرداحي عشية زيارة ماكرون للرياض، مراهناً على انّها ستفيد في تليين موقف المملكة، ومرة أخرى حين تماسَكَ ازاء الازمة بين لبنان والسعودية عند حصولها، مقرّراً احتواءها بدعم دولي بدل ان يتركها تهدّد مصير حكومته.
أكثر من ذلك، يمكن القول انّ التواصل الذي حصل بين ميقاتي وولي العهد، عبر الهاتف الكاسر للجليد، يعكس اول اعتراف سعودي رسمي بالحكومة ورئيسها منذ ولادتها القيصرية، بعدما كانت المملكة، من سفيرها في بيروت الى قيادتها في الرياض، غير مهتمة لهذه الحكومة لإعتقادها انّ «حزب الله» يهيمن عليها.
ولكن الربح الذي حققه ميقاتي حتى الآن هو تكتيكي وموضعي، وبالتالي فإنّه قد ينفعه نسبياً في التقاط الأنفاس وكسب هدنة مع السعودية، غير انّه لا يكفي من أجل أن تبادر الرياض ودول الخليج الى تأمين «ملاءة سياسية» للحكومة، خصوصاً انّ شروط التطبيع السعودي مع لبنان تفوق طاقة ميقاتي بل البلد على التحمّل، خصوصاً في الجانب المتصل بسلاح «حزب الله» وتطبيق القرار 1559.
وتلفت اوساط قريبة من 8 آذار، الى انّ الرياض تعرف اصلًا، كما باريس، انّ ما لم يتحقق بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وخلال حرب تموز 2006، لن يتحقق الآن بطبيعة الحال، ولذلك يبدو ما ورد في البيان الختامي من لوازم «الاكسسوار السياسي» لزيارة ماكرون، ليس أكثر، خصوصاً انّ موازين القوى الخارجية والداخلية لا تسمح حالياً بانتزاع السلاح عنوةً من الحزب.
ومع انّ ماكرون لم يمانع في مجاراة السقف السعودي المرتفع حيال «حزب الله»، خصوصاً انّ العقود بمليارات الدولارات أسالت لعابه، الّا انّ الرئيس الفرنسي الذي أصبح ضليعاً في تعقيدات الشأن اللبناني وخصوصيته، هو أكثر من يدرك انّ التوازنات المحلية سريعة العطب والاشتعال، وانّها مرهفة وهشة الى حدّ انّ اي مساس بها قد يتسبب في فتنة او حرب أهلية.
وعليه، فانّ ماكرون كان يعلم، على الارجح، أنّ الشق المتعلق ضمناً بالحزب في البيان الختامي المشترك ليس قابلاً للصرف والتسييل على أرض الواقع اللبناني. وغالب الظن انّه يندرج في إطار تسجيل موقف مراعاةً لضرورات اللحظة ومقتضيات المصالح الاقتصادية الفرنسية مع السعودية.
ويكشف المطلعون، انّ ماكرون أبلغ إلى ميقاتي انّه يعرف توازنات لبنان ويحترمها «وليس مطلوبا الصدام مع أحد، في إشارة ضمنية الى حزب الله» ويُنقل عن ميقاتي قوله انّ ماكرون هو هبة السماء للبنان، مشيداً بالاهتمام الذي يبديه حيال هذا البلد «الذي أصبح قضيته اليومية».
ويلفت المطلعون الى انّ علاقة ميقاتي بالرئيس الفرنسي تطورت كثيراً، على المستويين الشخصي والسياسي، خلال الاشهر القليلة الماضية، بحيث انتقلت من عادية الى مميزة منذ تولّي «النجيب» رئاسة الحكومة.
ويُروى انّ «الكلفة» باتت مرفوعة بين الرجلين الى حدّ كبير، وانّ علاقتهما أصبحت عابرة للبروتوكول الرسمي وفيها كثير من الود المتبادل.
لكن العواطف وحدها لا تصنع حلولاً ولا تغني من جوع، وهي بالتأكيد لن تعوّض عن عجز الدولة ولن تخفف من وطأته، الأمر الذي يفرض على السلطة السياسية مواكبة اي مبادرة خارجية بسلوك مسؤول يجيد التقاط الفرص وليس إهدارها كما كان يجري في معظم الأحيان.
ويُنسب الى ميقاتي قوله في هذا المجال تحديداً: «لقد أعطونا مفتاحاً، وعلينا استخدامه بعناية لفتح الابواب المغلقة، وبالتالي واجبنا ان نعمل جدياً لنستحق هذه الفرصة عن جدارة، ونستفيد من زخم المبادرة الفرنسية- السعودية المهمة». ويضيف: «ربما أكون قد كسبت شخصياً من مفاعيل زيارة الرئيس ماكرون للسعودية، الّا انّ ذلك لا يهمّني على رغم انني أقدّره. ما أريده هو ان أجيّر المكسب للبلد، وهذا ما أسعى اليه».