Site icon IMLebanon

جمود قاتل… لكنّ طبخة التسويات على النار

كتبت كلير شكر في نداء الوطن:

لم تخرج الجلسة التشريعية عن سياق التوقعات المرسومة لها، لاسيما لجهة عدم مقاربتها ملف التحقيقات العدلية، لا سلباً ولا ايجاباً. وتُركت العريضة النيابية التي تقدّمت بها القوى المعترضة على سلوك المحقق العدلي من باب الدفع باتجاه انشاء المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وفصل ملف التحقيقات مع السياسيين عن بقية ملفات المحقق العدلي… إلى حين آخر تكون فيه التسويات السياسية أكثر نضوجاً.

في الواقع، بيّنت وقائع جلسة الثلثاء في مجلس النواب، أنّ الكلام عن مقايضة تمّ التوصل إليها، بين الثنائي الشيعي ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، لتصويب أداء المحقق العدلي، كما يبتغي معارضوه، لا صحّة له أبداً. وقد تزامن “سقوط” هذه الفرضية مع تحرير يد القاضي طارق البيطار بعدما ردّت محكمة الاستئناف طلب الردّ المقدم من جانب الوزير السابق يوسف فنيانوس، و”اعتباره كأنه لم يكن أي منعدم الوجود وإبطال جميع مفاعيله”، وأبلغت المحقق العدلي مضمون القرار لمتابعة السير بتحقيقه، حيث يفترض أن يعاود بدءاً من صباح اليوم نشاطه في ملف الانفجار.

وعلى هذا الأساس، عاد رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ومنذ صباح يوم الاثنين، بعدما تبيّن له أنّ طبخة التحقيقات العدلية لم تستوِ بعد، إلى “الخطة ب” التي لجأ إليها مذ تعرّضت حكومته لانتكاستها المدوية، من خلال ترؤس لجان وزارية واجتماعات مختصة في السراي الحكومي، علّها تعوّض غياب جلسات مجلس الوزراء، وذلك بانتظار أن يأتيه الفرج من مكان ما.

ولكن في هذه الأثناء، وفي محيط رئيس الحكومة، هناك من يعتقد أنّ المفاجأة التي فجّرها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون من خلال تفاهمه مع المملكة السعودية، على مبادرة مشتركة لـ”فتح صفحة جديدة مع لبنان”، ولو أنّ بعض عناوين هذه المبادرة خلافيّ على المستوى اللبناني، ولكنها لا تزال في انطلاقتها، وبالتالي إنّ الخرق الذي أحدثه الفرنسيون في جدار الأزمة اللبنانية – السعودية، يُبنى عليه، ولكنه يحتاج إلى مزيد من الوقت لكي تبدأ ترجمة مفاعيله. ولهذا ترجّح عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى بيروت في وقت غير بعيد.

ويشير هؤلاء إلى أنّ أزمة العلاقة مع السعودية، تمرّ معالجتها بالملف اليمني، وليس عبر الداخل اللبناني، لأنّ الملف اليمني هو الذي يحتلّ سلّم أولويات المملكة، بدليل البيان العُماني ـ السعودي المشترك الذي صدر الثلثاء بعد زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى سلطنة عمان، والذي أكّد على “أهمية إجراء إصلاحات شاملة تضمن تجاوز لبنان لأزماته، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال ارهابية أو اجرامية تزعزع أمن واستقرار المنطقة”… والمقصود بذلك اليمن.

لكن اللافت هو تغاضي الرئيس الفرنسي عن الاتصال الذي قال إنه سيقوم به مع نظيره اللبناني ميشال عون لوضعه في أجواء المشاورات التي عقدها في السعودية بخصوص الملف اللبناني، لتتولى السفيرة الفرنسية في بيروت آن غريو هذه المهمة من خلال لقائها رئيس الجمهورية، ما يدلّ على منحى سلبي في العلاقة بين الاليزيه وقصر بعبدا، قد يزيد من تعقيد الأمور داخلياً، لا حلحلتها أبداً.

ولو أنّ هؤلاء لا ينفون أن يكون الفرنسيون قد تحدّثوا بالمباشر مع وزير الاعلام جورج قرداحي لاقناعه بالاستقالة، بعدما كانوا قد طلبوها من رئيس الحكومة كورقة حسن نية توضع على طاولة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان خلال لقائه الرئيس الفرنسي، ما يعني استبعاد حصول أي تفاهم بين الفرنسيين و”حزب الله” على قاعدة المقايضة بين قرداحي والبيطار.

ومع ذلك، يعتقد هؤلاء أنّ الأفق ليس مقفلاً، وكل ما في الأمر أنّ هناك حاجة لمزيد من النقاش والأخذ والردّ، قبل أن تنضج المشاورات وتستعيد الحكومة عافيتها… فيما يتردد أنّ مسألة اقتراع المغتربين لا تزال موضع خلاف بين عين التينة و”التيار الوطني الحر”، ولو أنّ رئيس مجلس النواب نبيه بري سلّم بموعد الاستحقاق وتحديداً ذلك الذي حسمه رئيس الجمهورية، أي في السابع من أيار، ولكن بالنسبة لكيفية تصويت غير المقيمين، أي للنواب 128 أو لستة نواب جدد، فلا يزال الخلاف قائماً. ما يعني أن الطبخة السياسية لا تزال على النار، ولو أنّ الجمود الحاصل قاتل.