رغماً عن أنف السلطة وبخلاف مخططات غرفها السوداء، استأنف المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار مهامه أمس بعد استراحة قسرية فرضتها، على مدى أكثر من شهر، دعاوى الرد “الملغومة” الهادفة إلى تفخيخ التحقيق العدلي وشل حركته وقدرته على الاستدعاء والادعاء وكشف الحقائق وتحديد المسؤوليات في قضية النيترات، فاستهلّ نشاطه بلقاءات ومراجعات ومراسلات إيذاناً بإعادة تحريك عجلات تحقيقاته وتسطير مذكرات استجواب بتواريخ جديدة للمدعى عليهم في القضية. وكذلك على المقلب الآخر، تتحضر قوى 8 آذار لاستئناف هجماتها القضائية المرتدة على البيطار، بعدما ضاقت خياراتها الحكومية وتعثرت تسوياتها النيابية لقبعه من منصبه، تحت وطأة توجس العهد وتياره من مجاراة “حزب الله” في هذا التوجه، خشية ارتداداته الكارثية على الساحة المسيحية.
ومع تعذر تمرير صفقة فصل الملفات وشقّ المسارات في التحقيق العدلي تحت قبة البرلمان، لم يعد يملك الثنائي الشيعي عملياً سوى إحكام قبضته على مجلس الوزراء منعاً لانعقاده كورقة ضغط وحيدة في يده يرفض الإفراج عنها قبل مقايضتها بورقة تنحية المحقق العدلي عن مساءلة المدعى عليهم من الطبقة السياسية في انفجار 4 آب… وعليه، ستبقى حكومة الرئيس نجيب ميقاتي ممنوعة من الاجتماع حتى إشعار آخر، تاركةً حبل الانهيار على غاربه يشدّ الخناق أكثر فأكثر على البلد، فكانت رسالة صندوق النقد الدولي واضحة في المقابل إلى الحكومة بوجوب “الإقلاع عن التلهي بالجزئيات والمناكفات، والمسارعة إلى أن تحزم أمرها إزاء برنامج التعافي المنوي توقيعه مع الصندوق”.
وأوضحت مصادر مواكبة لجولة بعثة صندوق النقد على المسؤولين خلال اليومين الماضيين، أنّ الجولة أتت تحت سقف “رسالة مركزية أساسية تتلخص بالتشديد على ضرورة تسريع وتيرة المفاوضات والسير بالإصلاحات المنشودة، والتحذير من كون الوضع اللبناني لم يعد يحتمل مزيداً من التسويف والتأجيل”، كاشفةً في هذا السياق أنّ وفد الصندوق غاص خلال مباحثاته اللبنانية “في التفاصيل التقنية للملفات المحورية في عملية الإصلاح، لناحية المطلوب تنفيذه من جانب الحكومة، بما يشمل بشكل رئيسي، قطاع الكهرباء والإصلاحات المالية وترشيق القطاع العام”.
وبينما يجد رئيس الحكومة نفسه مكبلاً في اندفاعته نحو ملاقاة المجتمع الدولي عند منتصف الطريق الإصلاحي، يواصل على قدر المستطاع محاولاته الدؤوبة لتحريك المياه الحكومية الراكدة عبر عقد اجتماعات وزارية وتخصصية يومية تُعنى بمقاربة الملفات المطلوب إنجازها تحضيراً للأرضية اللازمة وللخطط الإصلاحية المنشودة بانتظار رفع الحظر عن مجلس الوزراء لإقرارها، وذلك مع محاولته على خط موازٍ الإبقاء على قنوات التواصل مفتوحة مع الخارج عبر زيارات مكوكية ستقوده اليوم إلى القاهرة للقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء مصطفى مدبولي وعدد من المسؤولين المصريين.
وفي حين لا تزال مفاعيل محادثات جدة الفرنسية – السعودية حيال الملف اللبناني معلقة لبنانياً، تحت طائل افتقار أهل الحكم للنية والقدرة على المضي قدماً في ترجمة مقرراتها الإصلاحية والسيادية، برز مساء أمس تقاطع سعودي – إماراتي مع هذه المقررات جدد من خلاله الجانبان التوكيد على جملة نقاط مركزية مطلوب تحققها عربياً في سبيل الشروع في عملية استنهاض لبنان وانتشاله من الأزمة الطاحنة التي يتخبط بها.
وفي هذا المجال، أكد بيان مشترك صادر عن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، في ختام زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان للإمارات، على “ضرورة إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية شاملة تضمن للبنان تجاوزه لأزماته، وحصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية”، مشدداً في الوقت نفسه على وجوب “ألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية وحاضنةً للتنظيمات والجماعات التي تستهدف أمن واستقرار المنطقة كحزب الله الإرهابي، ومصدراً لآفة المخدرات المهددة لسلامة المجتمعات في المنطقة والعالم”.