كتب رمال جوني في نداء الوطن:
في التحرك الرابع للسائقين سقط قناع الدعم نهائياً، فالالتزام المفقود يخبر عن حجم القهر الذي يشتمّونه من حكومتهم ونقابتهم، ما دفع بهم للتصرف وكأن لا تحرك ولا أضراب، بل تمسكوا بالدعاء بالفرج، لان الكلام في لبنان لا يطعم خبزاً ولا يداوي مريض ضمان، بعدما بات الاستشفاء في لبنان وفق سعر دولار الفريش، والشغل وفق الـ1500. وفضح التحرك المطلبي حجم التسييس في الملف، اذ جزم الكل أنهم باتوا ورقة بريد سياسية يحركها الزعيم لتحقيق مآربه وليس لتحقيق حقوق السائق
فكيف بدا الاضراب على الارض؟
لم يلتزم السائقون العموميون بالاضراب المقترح، فثقتهم به معدومة، تماماً كثقتهم بالنقابات التي تتحرك وفق أجندة سياسية، اذ يرون انهم باتوا ورقة ضغط يحركها السياسي بالاتجاه الذي يريده، فيما حقوقهم لا تعني أحداً.
النقابات لم تقف بقربهم، ولم تدافع عن حقهم يوماً، لطالما دافعت عن حق “الزعيم والسياسي”، ما حدا بهم لعدم اعطاء التحرك المزعوم اهتماماً، حتى أنهم رأوه شماعة لتمرير رسائل سياسية على حسابهم.
يعيش قطاع النقل شللاً كبيراً، فهو تراجع 80 بالمئة، بعدما بات المواطن عاجزا عن دفع 100 ألف ليرة اجرة نقل يومية، أضيف اليها اضراب الجامعات عصب النقل العام وأيضا اضراب قطاع النقل، عناصر دفعت بالسائق ليتحسّر على إيام عز القطاع، حين كان الركاب ينتشرون على الطرقات، وحركة موقف الفانات لا تهدأ.
اليوم لا حركة داخل موقف الفانات في النبطية، بالكاد يحضر زبون عابر، فيما السائقون يمضون وقتهم في الانتظار والتحسّر على حالهم.
يبكي السائق أبو أحمد حاله، فهو بات عاجزاً عن شراء منقوشة بـ20 الف ليرة لزوجته، حتى أدوية زوجته المريضة صعب الحصول عليها “مش عارف شو أعمل، مين وصّلنا لهون”. يحاول أبو احمد ان يوصّف واقع السائق هذه الأيام فيقول “مش عايش، كل يوم أخرج من المنزل وأتجول في الطرقات ولا ركاب، والبنزين غالي”، يمجّ سيجارته ويكمل “وعدونا بدعم بس يبدو الدعم طار، معقول سرقوه”.
لا يكفي ما يعانيه السائق من واقع سيئ، حتى وجهت الدولة صفعة قاسية على وجهه، لا دعم حضر ولا من يحزنون، “حتى الـ400 الف المساعدة القديمة لم نحصل عليها” يقول السائق رمزي، لافتاً الى انهيار القطاع جراء عدم دعمه، اذ يقول “الطبابة اليوم للسائق طارت ايضاً، فالضمان يغطي على الـ1500 ليرة، والاستشفاء وفق سعر الصرف، فكيف نكمل وسط هذا الوضع المزري”.
هي صرخة تحذيرية اذاً حاول السائقون توجيهها، رغم يقينهم انها “مش نافعة” خاصة في ظل نقابة لا تحمي حقوقهم، اذ يسأل أحدهم “كيف يعقل ان يقام تحرك احتجاجي بالتزامن مع انتخاب الاتحاد العمالي العام”؟ في تأكيد منهم أن التحرك لا يعدو كونه ورقة سياسية لا اكثر، ويقول احد السائقين ان المطلب الرئيسي من التحرك الحماية الاقتصادية “وعدونا بدعمنا بالبنزين، بالطبابة، بقمع المخالفات، بالاعفاء من الميكانيك، ولكن عالوعد يا كمون، كلو كلام ونحن لم نعد نثق بالكلام، ونرفض ان نكون ورقة لتوجيه الرسائل، لنا حقوق ويجب ان نحصل عليها، اذا لم تستجب الحكومة لدعمنا سيكون لنا تحرك ضاغط وهذه المرة سيكون موجعاً، نحن نخسر لقمتنا كل يوم، فالزبون عاجز عن التنقل، اذا تم دعمنا يتم خفض التعرفة، فلماذا يعملون على انهيار هذا القطاع وتجويع السائق؟”.
وفق السائق علي فإن “كلفة تصليح السيارة أعلى بكثير من انتاجنا، زيت السيارة يكلف 300 الف ليرة، فيما زيت القلي بـ200 الف لذلك سأستبدله لانه ارخص”.
كاد التحرك أن يكون صُوريا، فكثر من السائقين لم يلتزموا به ولم يعنِهم الامر، طالما النقابة في واد والحكومة في واد وحقوق السائقين في واد آخر، وكل ذلك يدفع للسؤال متى تعود للنقابات فعاليتها، وبدلا من ان تسير خلف الاحزاب والساسة، يسيرون هم خلفها؟ فوفق السائقين حين يصبح في لبنان نقابات فاعلة وليس نقابات تبعية تتحرك بقرارات سياسية وليس مطلبية.