كتب ألان سركيس في “نداء الوطن”:
شارف عهد الرئيس ميشال عون على الإنتهاء، وفي آخر سنة يصبح الحديث عن الرئيس الجديد ومواصفاته الشغل الشاغل للسياسيين والشعب.
قبل أكثر من سنة على استحقاق الإنتخابات الرئاسية في العام 2014، نجح البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي بجمع الأقطاب الموارنة الأربعة آنذاك: الرئيس أمين الجميل، العماد ميشال عون، الدكتور سمير جعجع والنائب السابق سليمان فرنجية، واتفقوا على حصر الترشيحات بالموارنة الأربعة الأقوياء على أن يحترم كل واحد منهم الإستحقاق الدستوري ولا يعمد إلى تعطيل النصاب.
وقبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، فتحت دورة انتخاب الرئيس، فتأمّن النصاب في الجلسة الأولى، لكن عون وفرنجية نكثا بالوعد الذي قطعاه في بكركي وعطّلا جلسات انتخاب الرئيس بمساندة “حزب الله”.
أُلقيت على عاتق مجلس 2009 الممدّد له مسؤولية انتخاب رئيس الجمهورية، لكن البطريرك الراعي، الذي قرأ تجربة 2007 الرئاسية عندما عمدت كتل 8 آذار و”التيار الوطني الحرّ” إلى تعطيل الإستحقاق بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، حاول فعل شيء لإنقاذ الإستحقاق، ولعلّ طرح نظرية الرئيس القوي كانت لتساعد المسيحيين في الخروج من الإحباط.
قد يكون هناك من يقول إن الراعي كان أكثر نشاطا رئاسياً عام 2014 من هذه الفترة وأن الموارنة كانوا متحمسين للإستحقاق الرئاسي أكثر، لكن الحقيقة أن ظروف تلك المرحلة مغايرة تماماً لوقتنا هذا.
في العام 2014 لم تكن البلاد تواجه الإنهيار، وكان الوضع الإقتصادي جيداً إلى حد ما، وكان الهمّ السياسي يطغى على الإقتصادي والمالي وكان سعر صرف الدولار 1500 ليرة، أما اليوم فإن الهموم الإقتصادية تتقدم بشكل واضح وباتت المسألة في مكان آخر مغاير تماماً.
أما النقطة الثانية والأهم، فهي ان بكركي التي بذلت مجهوداً إستثنائياً العام 2014 ترى أن المصالح السياسية تتحكم بأغلبية الزعماء، إذ لا تنوي تكرار تجربة حصر المرشحين لأن الناس ضاقوا ذرعاً بالحكام، وهي لن تدخل في لعبة الأسماء.
ومن ناحية ثالثة، فإن بكركي تنظر إلى الإستحقاق الرئاسي كمسار يتكامل مع الإنتخابات النيابية، خصوصاً وأن الناس يتوقون إلى التغيير، ولن تعطي رأيها في هذا الإستحقاق قبل معرفة توازنات المجلس الجديد، في حين أن للخارج رأياً مؤثراً أيضاً في مثل هكذا إستحقاقات.
وإذا كان هذا ما يتحكم ببكركي رئاسياً، إلا أن الزعماء الموارنة لم يغلّبوا مسألة الإنتخابات النيابية على الرئاسية، بل إنهم ينظرون إلى الإستحقاق النيابي كمدخل أو ورقة أساسية للرئاسة، فمنذ أن وصل عون إلى بعبدا ويفعل رئيس “التيار الوطني الحرّ” النائب جبران باسيل المستحيل للجلوس مكانه على الكرسي ولو كلّف هذا حرق البلد.
ويوظّف فرنجية كل ما لديه من طاقة للمعركة الرئاسية، ويقرأ كل موقف من بوابة إذا كان يخدمه رئاسياً أم لا، ويحاول قدر الإمكان تحطيم صورة خصمه باسيل، ويتسابق معه على نيل رضى “حزب الله” وتأييده، لعل تجربة عون تتكرر.
أما جعجع فيبدو أكثر واقعية من غيره، وهو يعتبر أن فوزه بأكبر كتلة مسيحية يسهّل المهمة الرئاسية، لكنه لا يحصر كل معركته بهذا الشق، ويعرف أن حظوظه غير مرتفعة، لذلك لا مانع لديه من أن يكون “صانع الرؤساء”.
وإذا كانت حظوظ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قد تلاشت بسبب تحميله مسؤولية جزء من الإنهيار الحاصل، يبقى قائد الجيش العماد جوزاف عون كما في كل الأوقات من المرشحين المطروحين بقوة عند كل إستحقاق رئاسي، في حين يطمح عدد من الموارنة المستقلين للدخول إلى نادي المرشحين.
وأمام كل هذه الوقائع، فإن تنافس الموارنة على الساحة الانتخابية النيابية والرئاسية هو المدخل الصحي والسليم في الحياة الديموقراطية، لكن هل ستقبل قوة الأمر الواقع بنتائج الإنتخابات أو أن التهديد بقلب المعادلات بالقوة سيبقى حاضراً؟