جاء في المركزية:
كثيرة هي التكهنات التي أثيرت حول الانفجار الذي وقع في مخيم “برج الشمالي” للاجئين الفلسطينيين قرب مدينة صور نهاية الأسبوع الفائت ولعل أبرزها تعرية البنية المسلحة لحركة “حماس” في لبنان، وإمكانية استعمال هذا السلاح في الداخل اللبناني أو على الحدود مع إسرائيل. بالتوازي عادت الدعوات اللبنانية لحصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، ومناقشة ملف الاستراتيجية الدفاعية.
وفي وقت أنكرت حركة “حماس” أن يكون المستودع يحتوي على أسلحة، وأعلنت في بيان أن “الانفجار الذي حصل في مخيم البرج الشمالي ناتج عن ماس كهربائي في مخزن يحتوي على كمية من أسطوانات الأوكسجين والغاز المخصصة لمرضى كورونا، وكمية من المنظفات والمطهرات والمواد الأولية المخصصة لمكافحة وباء كورونا”، لافتة إلى أن النيران ألحقت “الضرر ببعض الممتلكات، و الخسائر محدودة، على الأرض كانت الحقيقة التي أسقطت كل “المتحورات”. فالانفجار أدى إلى مقتل عنصر من حركة حماس وإصابة أكثر من عشرة أشخاص بحالات اختناق جرّاء استنشاق الدخان، إضافة إلى جرح عنصرين من رجال الإطفاء. واحتراق المسجد التابع لحركة “حماس” في المخيم. وكانت ذكرت معلومات أن الذخائر والمتفجرات كانت موجودة تحت أرض المسجد.
وفي التفسير العسكري رجح مصدر أمني لبناني أن تكون سحب الدخان الناتجة عن الإنفجار ناتجة عن ذخائر كانت مخزنة إلى جانب مواد أخرى انفجرت، وقد تكون ناتجة عن عبوة متفجرة في الأساس وأدى انفجارها إلى انفجار المواد الأخرى. في المحصلة فإن التضارب حول المسببات وعدم وضوح المعلومات حول ما جرى ليس بمستغرب في ظل وجود جزر مستقلة تشكل بؤرة للصراعات والتناقضات، ولا تخضع للسلطة المطلقة للدولة اللبنانية، لا بل إن الدولة اللبنانية هي أقل النافذين فيها. من هنا يبرز السؤال لماذا لم يتم الالتزام بقرارات هيئة الحوار عام 2006 لجهة نزع السلاح غير الشرعي و مقررات إعلان بعبدا عام 2012 الداعي للنأي بالنفس وتحييد البلاد عن أزمات المنطقة؟
واللافت أنه على رغم الإجماع المحلي والعربي باعتبار السلاح غير الشرعي تهديدا حقيقيا لكيان الدولة اللبنانية، لكن حتى اللحظة ، لا يزال سلاح حزب الله الذي يُفترض أنه موجه نحو إسرائيل، موجهاً نحو الشعب اللبناني، وممنوع على القوى الأمنية اللبنانية دخول المخيمات الفلسطينية بموجب اتفاق غير معلن بين منظمة التحرير الفلسطينية والسلطات اللبنانية. حتى فكرة مؤتمر الحوار التي انبثقت بعد المتغيرات الدراماتيكية والصاخبة التي رافقت اغتيال رئيس الحكومة الأسبق الشهيد رفيق الحريري، أسقطتها مفاعيل سلاح حزب الله من الداخل والإحتلالين السوري والإيراني من الخارج. وما لم يفعله الحوار من معجزات، ساهمت التفاهمات الخارجية في فرضه على قاعدة التهدئة الجزئية.
النائب السابق بطرس حرب الذي شارك في مؤتمر الحوار الوطني عام 2006 أكد عبر “المركزية” “أن تحلل الدولة وسقوطها بدأ مع الإخلال بتنفيذ بنود اتفاق الطائف الذي نص على حل كل الميليشيات وجمع السلاح غير الشرعي وتسليمه إلى القوى الشرعية ووضع خطة أمنية. وتحت ذريعة مقاومة الإحتلال الإسرائيلي وبعد تعديل الخارطة اللبنانية بقي حزب الله ممسكا بسلاحه بدعم من النظام السوري.
ربما أدرك المتحاورون الذين التقوا حول طاولة سُميت “طاولة حوار” عام 2006 أن مطلق أي قرار يصدر عنها أشبه بنوع من “التكاذب الذاتي اللبناني” لأنهم يعرفون أن الحوار لن يؤدي إلى أي مكان، وإذا كان هناك قرار باهتزاز أمني، فإن طاولة الحوار لن تمنعه، والدليل ما حصل عام 2006 حين طمأن حزب الله اللبنانيين من خلال طاولة الحوار أن الصيف سيمر هادئاً فإذا بالحرب تندلع بعد أسبوعين، لذلك حين تتوفر ظروف الاهتزاز الأمني فلا طاولة الحوار ولا غيرها سيقف في طريقها، لأن هذه الظروف ترتبط بقوى داخلية وخارجية على حد سواء”.
وفي السياق عينه يؤكد حرب أن “المسؤولين أنفسهم حولوا لبنان إلى جزر أمنية غير شرعية وإذا افترضنا أن ثمة حلا ما يجب أن يتخذ في هذا الشأن فهو في يد الحكومة. لكن عن أية حكومة نتكلم وهي عاجزة حتى عن الإجتماع فكيف يمكن التعويل عليها بالعودة إلى مقررات الطائف وتنفيذ القرارات الدولية؟ فليتفقوا في ما بينهم أولا بعدها يبدأ الكلام حول مسالة نزع السلاح والجزر الأمنية وعسى أن لا يطول الأمر لأننا وصلنا إلى مرحلة التحلل”.
لا يخفي حرب وجود مخطط أمني من خلال هذه الجزر الأمنية “فهي جزء من مشروع توسع وبسط النفوذ الإيراني وهيمنة السلاح ومصادرة القرار اللبناني بحماية وضمانة النظام السوري” ويختم مؤكدا “أن ما حصل في البرج الشمالي يثبت أننا نعيش في ظل شريعة الغاب ويظهر مدى فشل وعجز المسؤولين عن إدارة الحكم في البلاد”.