كتب رمال جوني في “نداء الوطن”:
رسمياً، باتت يومية العامل في لبنان دولاراً واحداً بعدما تجاوز سعره امس الـ27 الف ليرة، إرتفاع سيدفع حتماً نحو إنفلاش الأسعار بجنونها الكبير، ومعها ستتوقف الدورة الحياتية. فكيف يواجه المواطن موجات الدولار الارتدادية، وهل ما زال قادراً على الصمود؟
يبدو ان موجة إضرابات وتحركات في طريقها الى الشارع، لعل تحرك مستخدمي الصندوق الوطني للضمان أولى بشائرها، وترافقت مع اضراب المعلمين في المدارس والمهنيات الرسمية، رفضاً لسياسة التهميش ومصادرة حقوقهم المشروعة في زمن القحط والتقشف.
من بوابة الضمان الاجتماعي، إحدى ابرز المراكز الحكومية تماساً مع المواطن، وقف المستخدمون رافعين الصوت لحرمانهم حقوقهم ومستحقاتهم المالية، كانوا اكثر تصالحاً مع ازمتهم المعيشية من تصالحهم مع واقعهم المرّ، فالمعاشات التي تهاوت الى حد كبير جعلت من الموظف متسولاً يشحذ لقمة عيشه وعاجزاً عن دفع فاتورة الاشتراك والمياه والطبابة والأكل والبنزين. كل ذلك يحصل ولم تبادر السلطة التنفيذية لتشريع قانون دعم الموظف اذ تجاوز الدولار الـ26 الف ليرة، وراتبه وفق الـ1500 ليرة.
ما كان أحد يتوقع أن ينهار البلد إقتصادياً الى هذا الحد، ولا أن يصبح الموظف الحكومي شحّاذاً في بلد، يشغل آلاف الموظفين فيه مراكـــز في الإدارات العامة تنفيعات سياسية وحزبية، جزء كبير منهم لا يحضر للعمل، يتقاضى راتبه من المنزل.
حتى العام الماضي كان وضع الموظفين مرتاحاً نسبياً، يملك عدد كبير منهم عقارات وأملاكاً عديدة من دون أن يسأل أحد من أين لك هذا، هؤلاء يشكلون 20بالمئة من موظفي الدوائر الحكومية الذين “ظبّطوا وضعهم” فيما الموظف الآدمي أكلها بعد تآكل معاشه. حتى في عز الاضراب ومطالبة الاوادم بحقوقهم هناك موظفون يشوِّشون على حقوقهم، يعملون بالرشاوى ويتقاضون ثمن المعاملة خمسة أضعاف وربما أكثر، وتحديداً في الدوائر العقارية والمحاكم ودوائر أخرى. هؤلاء حققوا ارباحاً خيالية في السنوات الماضية رغم أن معاش الواحد منهم لم يتجاوز الـ1000 دولار أميركي، فحقاً من أين لهم ذلك؟
لا يخفي أحد الموظفين الأوادم غضبه من واقع الحال، يلتزم الإضراب دفاعاً عن حقه براتب مشرف يقيه خطر الجوع، فوفقه، هناك موظفون يستغلون الاضراب ليتقاضوا الرشاوى، وبعضهم يتقاضى مليوناً ومليوني ليرة ثمن المعاملة، “يشوشون على الاضراب، وبالتالي قد نخسر معركتنا الدفاعية عن حقوقنا، فهؤلاء مدعومون ومسنودون وممنوع ان يعترض احد على سلوكياتهم تحت طائلة المحاسبة، وتناسوا ان سياسة كم الافواه ولي الاذرع والضغط انتهت بعد إنتهاء زمن الوظيفة”، لافتاً الى “وجود نقمة شعبية عارمة ضد الأحزاب التي تخلت عن الموظف والمواطن في زمن الازمة، وتتحرك اليوم بإتجاهه لكسب صوته الانتخابي لا اكثر، وهي ألعاب باتت مكشوفة ولن تنطلي على أحد”.
من امام مركز الضمان الاجتماعي في النبطية رفع المستخدمون الصوت بعدما باتت معاشاتهم لا تساوي تنكتي بنزين، أكدوا ان الضمان ملاذ الفقراء وخط احمر، داعين المسؤولين الى التحرك قبل فوات الاوان، “فالضمان يعدّ صمام امان المستضعفين هذه الأيام، غير انه يعاني اسوة بباقي القطاعات”.
ويأتي التحرك في سياق رفض سياسة التهميش المتبعة تجاه الموظف الذي بات صعباً عليه الوصول الى مركز عمله، وبالتالي تأخر انجاز المعاملات، وفق ما اكد عليه محمد سبيتي الذي تحدث بإسم المعتصمين، لافتاً الى ان التحرك “يأتي متزامناً مع تحركات على مستوى لبنان بعدما طفح كيل الانتظار وتحوّل الموظف متسوّلاً لحقوقه المشروعة. الرواتب في الارض فماذا عن باقي الخدمات والضروريات. من المفترض ايلاء هذا الجانب عناية خاصة”.
يبدو ان سلة التحركات المطلبية سترتفع حدتها في القادم من الأيام، بعدما تهاوت العملة الى حدّها الاسفل، وبات الدولار يتحكّم برقاب الناس، وعليه قد تتعطل كل الحياة التي بدت اليوم شبه مشلولة بعدما اصبح المواطن كبش محرقة وعاجزاً عن شراء ضمّة فجل، فكيف بضمة سلق؟
وفيما العين كلها على الدولار، دخلت ازمة بطاقات التشريج الى الواجهة، فهل تكون القشة التي تفجّر الوضع ام الصمت سيبقى سيّداً؟