Site icon IMLebanon

المرتضى: لبنان سيكافح بإصرار ابنائه الطغيان والمفاسد

أكد وزير الثقافة محمد وسام المرتضى “أن لبنان كالسويد بلد ديموقراطي، لكن الطائفية فيه آفته، فهي تنصب بين المواطن وأخيه، وبينه وبين الوظيفة العامة، أسوارا عالية يصعب تجاوزها، حتى صار الانتماء الطائفي أقوى من الشعور الوطني، وهذا ما سبب حروبا داخلية وفسادا في السلطة واهتراء في نظام الحكم…. لكن لبناننا الجريح سيقوم من رماده بعزم أبنائه وإصرارهم على مكافحة الطغيان والمفاسد”.

كلام الوزير المرتضى جاء في خلال مشاركته والسفيرة السويدية في لبنان آن ديسمور في احتفال نظمته السفارة لمناسبة يوم القديسة لوسيا “ملكة النور” في المتحف الوطني، حضره الوزير السابق ريمون عريجي وعدد من سفراء الدول الاجنبية وشخصيات وفاعليات سياسية واجتماعية وثقافية.

استهل وزير الثقافة كلمته عن تضحيات القديسين، وقال: “تزخر القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية بأحداث الاضطهاد وأصناف التعذيبات المتنوعة التي كابدَها المؤمنون على يد السلطة الرومانية الوثنية، وبأخبار تضحياتهم وثباتهم على إيمانهم حتى ولو تعرضوا للموت. فكان أن عدتهم الكنيسة قديسين وشيدت في ما بعد على أسمائهم بيعا ونظمت صلوات واتخذهم المسيحيون قدوة في القداسة والصبر. من هؤلاء القديسة “لوسيا” التي نجتمع اليوم في ظلِّ يومها الواقع قبيل عيد ميلاد السيد المسيح مولودا من البتول مريم.

وأشار الى أن: “القديسة “لوسيا” التي جاءت من “سيراكوزا” في إيطاليا، ترسمها الأيقونات حاملة عينيها في طبق على يديها، فكأنها تحمل النور الذي يضيء النفوس أولا، لكي ندركَ معنى الفرق بين الضوء والعتمة، بين الإيمان والإلحاد، بين الصبر على المكاره والتشبث بالإيمان والمحبة، في مواجهة الإلحاد والشر والظلم والبغض، حتى التضحية بالنفس كما قال السيد المسيح وفق إيمانكم يا اخوتي المسيحيين: “ليس حب أعظم من هذا، أن يبذل الإنسان نفسه فداء عن أحبائه”.

كما شدد المرتضى على أهمية “الايمان بالمعتقد ومواجهة الطغاة والظالمين”، لافتا الى أن “إيمان لوسيا بمعتقدها، على رغم ما مورس عليها من ضغط وظلم وقهر، دفعها إلى تحمل أقسى صنوف العذاب وأبشعه من الحاكم الروماني باسكاسيوس الذي رمى بها في النار. وحين نجت من دون إصابة، قطع رأسها بالسيف في العام 304 ميلاديا وهنا يحضرني انا المسلم الإمام الحسين الذي رفض الخنوع للطاغية واستمسك بالإيمان واختار السلة اي ان يقتل على الذلة اي الخضوع واطلق صرخة ما برحت عصية على الزمن ومابرحت تهز عروش الظالمين ان هيهات منا نحن المؤمنين بالله وبحرية الانسان ان نركن للذين ظلموا او ان نقبل بالذلة”.

واضاف: “هذه المشهدية تأخذنا إلى فكرتين أساسيتين: الأولى ضرورة مواجهة الإستبداد والتطرف والظلم أينما كان وكيفما أتى، والثانية ضرورة المحافظة على حرية التعبير والاعتقاد وخصوصا بالنسبة للمرأة في عصرنا الراهن، حيث ينبغي أن يكون لها كامل حقوقها الإنسانية والدستورية والقانونية والإيمانية، من غير انصياع تلقائي للعقل الذكري، الذي يعيدنا إلى القرون الوسطى، بل الى ما مورس في منطقتنا مؤخرا على يد المد التكفيري، بما حواه ذلك من انتهاكات مخزية ستبقى وصمة عار في جبين من استولد ذلك الإرهاب ودعمه”.

وتابع وزير الثقافة: “لوسيا التي تعترف بقداستها الكنيستان الكاثوليكية والأرثوذكسية، القادمة أصلا من صقلية، أصبح يوم استشهادها يوما وطنيا وشعبيا في السويد، في أقصى شمال الأرض، بل صارت قديسة الجهات الأربع، تأكيدا على أن الفضائل لا جنسية لها ولا مذهب ولا عرق ولا وطن. إنها للانسانية جمعاء. من هنا يصبح مشهد القديسة لوسيا المنتصرة على العذاب والموت، ردا واضحا على رذائل البشاعة والقمع ورفض الاعتراف بالآخر والتمسك بالأحادية في الاعتقاد، التي تضرب مفهوم الحياة التشاركية وقيم الحرية والعدالة والديمقراطية والمساواة بين الطبقات والفئات والأجناس والأديان”.

وأكد المرتضى أن “دولة السويد من أكثر الدول في العالم التصاقا بتلك الفضائل وتطبيقا لها، في نصوص قوانينها وفي ممارسات شعبها وسلطاتها، حتى أصبحت المكان الأمثل لاحتضان المضطهدين والهاربين من أهوال الحروب والاستبداد في بلادهم. دولة آمنت بحق الإنسان في الحياة الكريمة، وجسدت ذلك في ديمقراطية حية، وتقاليد راسخة وتربية اجتماعية متنورة. ولبنان يا سادتي كالسويد بلد ديمقراطي، لكن الطائفية فيه آفته، فهي تنصب بين المواطن وأخيه، وبينه وبين الوظيفة العامة، أسوارا عالية يصعب تجاوزها، حتى صار الانتماء الطائفي أقوى من الشعور الوطني، وهذا ما سبب حروبا داخلية وفسادا في السلطة واهتراء في نظام الحكم”.

وختم وزير الثقافة: “لكن لبناننا الجريح سيقوم من رماده بعزم أبنائه وإصرارهم على مكافحة الطغيان والمفاسد. فنحن في زمن القرية الكونية وثورة الاتصالات التي أزالت العوائق والحواجز بين المجتمعات، لصالح حق الإنسان في العيش الكريم والتمتع بالحريات العامة، ولبنان يشارك السويد وصقلية، وكل أوروبا من جنوبها إلى شمالها، مبادئ التغيير الديمقراطي والحفاظ على الحريات واحترام الرأي الآخر وتطبيق العدالة. وعلينا من أجل ذلك أن نقتدي بالقديسة لوسيا التي بذلت اغلى ما عندها في سبيل المحافظة على شرفها وإيمانها وحريتها”.