لا يكاد لبنان أن يلتقط «طرفَ الخيْطِ» في محاولةِ احتواءِ الأزمة مع دول الخليج العربي حتى تنفجر بين يديه «قنبلةٌ» جديدةٌ وكأنها لـ «قطعِ الحبْل» بالمساعي الشائكة أصلاً لـ «تصحيح صورة» الدولة التي ينهشها فسادٌ تقني وسياسي أوصلا «بلاد الأرز» إلى أعتى انهيارٍ مالي مدفوعاً بـ «انجرافها» نحو المحور الإيراني.
وهذا التوصيف ينطبق بدقّة على «الهزّة الديبلوماسية» المفاجئة بين لبنان والبحرين على خلفية انعقاد مؤتمر «معادٍ للمنامة» في بيروت قبل أيام وذلك من خلف ظهْر «إعلان النيات الهاتفي» من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي على مسامع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لجهة القيام بما يلزم لمعالجة ما أمكن من «مضبطة الاتهام» السعودية والخليجية لبيروت سواء لجهة التلكؤ عن السير بالإصلاحات المالية والهيكلية والبنيوية تحضيراً لأرضية الإنقاذ، أو لناحية ترْك «بلاد الأرز» تتحوّل منطلقاً لما تعتبره دول مجلس التعاون «أعمالاً إرهابية» ومصدراً لآفة المخدرات، محددة القرارات الدولية 1559 و1680 و1701 (ذات الصلة بالسلاح خارج الشرعية ولا سيما «حزب الله») كمنصّة للعودة على متْنها إلى الحضن العربي.
وبدا واضحاً أنه بعد تصريحات وزير الإعلام المستقيل جورج قرادحي العدائية ضد السعودية والإمارات وما استتبعتْه من سوء إدارة من لبنان الرسمي أفضتْ لـ «الزلزال الديبلوماسي» مع الخليج ولقطيعةٍ أنْذرت بأن تتحوّل شاملةً، فإن أقلّه رئيس الحكومة «تَعَلَّمَ الدرسَ» وانبرى لمحاولةِ معالجةٍ «فورية»، قولاً وفعلاً، للاحتجاج البحريني الشديد اللهجة الذي أودع أيضاً لدى الجامعة العربية على «استضافة بيروت، مؤتمراً صحافياً، لعناصر معادية ومصنّفة بدعم ورعاية الإرهاب، لغرض بث وترويج مزاعم مغرضة ضد مملكة البحرين»، في إشارةٍ إلى المؤتمر الذي عقدته جمعية «الوفاق» (المنحلّة بحكم قضائي في المملكة).
وقد تدرّج سلوك ميقاتي حيال هذا التطور وفق الآتي:
• مبادرته يوم الأحد وفور تبلغه من وزير الخارجية عبدالله بوحبيب مضمون الكتاب الذي وجهته الخارجية البحرينية لإحالة الكتاب بشكل عاجل على السلطات المختصة، طالباً التحقيق الفوري في ما حصل ومنع تكراره واتخاذ الاجراءات المناسبة وفق القوانين المرعية، مع تأكيد أنه «يشجب بقوة ويدين التطاول على مملكة البحرين، قيادة وشعباً، ويرفض التدخل في شؤونها الداخلية، والاساءة إليها بأي شكل» وأيضاً استخدام لبنان «منطلقاً للاساءة الى الدول العربية الشقيقة، ولا سيما دول مجلس التعاون الخليجي».
• توجيهه أمس كتاباً عبر وزارة العدل إلى النيابة العامة التمييزية لإجراء التحقيقات الفوريّة واتخّاذ الإجراءات اللازمة في شأن عقد المؤتمر الصحافي في بيروت، وذلك انطلاقاً «من حرص لبنان على علاقاته الخارجية لا سيّما مع الدول العربية الشقيقة، وبشكل خاص مع دول مجلس التعاون الخليجي، ومنع أيّ تطاول أو تعرّض أو تعكير لصفو هذه العلاقات، ووجوب اتّخاذ المُقتضى تجاه كل تصرّف أو عمل يسيء إليها بأيّ شكل»، واستناداً إلى «نصوص قانون العقوبات لا سيّما الكتاب الثاني، الباب الأوّل، النبذة الرابعة (المادة /288/ وما يليها منه) المُتعلّقة بالجرائم الماسّة بالقانون الدولي».
وجاء هذا الكتاب بعدما كانت وزارة الداخلية وبإيعاز من الوزير بسام مولوي وجّهت الأجهزة الأمنية التابعة لها بمباشرة التحقيق الفوري حول هذه القضية حيث طلب مولوي «جمع المعلومات عن المشاركين في المؤتمر تمهيداً لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق كل من يظهر تقصُّده الإساءة من قلب العاصمة بيروت الى أي دولة صديقة وشقيقة»، وسط كشف موقع «النهار» الإلكتروني أن ثمة «توجّهاً رسمياً لترحيل البحرينيين الذين نظموا المؤتمر إلى البلد الذي جاؤوا منه».
ومع هذا الموقف اللبناني، وتحديداً من ميقاتي، ساد بيروت ترقُّب ثقيل لِما إذا كان ذلك سيكون كافياً لتفادي معاودة تفعيل الإجراءات التصعيدية ضدّ لبنان التي كانت فرْملتْها استقالة قرداحي والمبادرة الفرنسية – السعودية على هامش زيارة ماكرون لجدّة، أم أن «الخطيئة الجديدة» وهذه المرة بحق البحرين، ستعيد مساعي التهدئة إلى المربّع الأول، وسط اعتبار أن القمة الخليجية التي تستضيفها الرياض اليوم، ستحسم «الأبيض من الأسود» حيال تداعيات «المؤتمر الطائش»، ولا سيما أن هذه القمة استبقها ولي العهد السعودي بجولة على دول مجلس التعاون رسمت إطاراً مشتركاً لمقاربة الملف اللبناني استناداً الى ثوابت خريطة الطريق الفرنسية – السعودية خصوصاً في الموضوع السيادي ووضعية «حزب الله».
وإذ اعتبرت أوساط سياسية أن من الصعب التعاطي مع «الخطأ المتعمّد» الجديد تجاه علاقات لبنان مع الخليج العربي من خارج سياقات «الرسائل المتعددة الاتجاه» ذات الصلة بـ «إعلان جدّة» حول لبنان، والتي انطوت بالتوازي على خروج «حزب الله» بمواقف نافرة وحاسمة حيال «هوية لبنان المقاوِم» وتخيير اللبنانيين بينه وبين «البحث عن حلّ آخر»، فإنها اعتبرت أن تطوراً آخر لا يقل دلالة وخطورة شكّلته الأحداث المتلاحقة في مخيم البرج الشمالي في صور.
ولئن جاء الإشكال الذي وقع الأحد بين حركة «حماس» و«فتح» خلال تشييع عنصر من الأولى وتَعَرُّض المشيّعين لإطلاق نار أدى الى سقوط ثلاثة قتلى وعدد من الجرحى ليؤشر إلى مناخات التوتر التي تعتمل بين الطرفين والى الصراع على الإمرة لمَن في «البرج الشمالي»، فإن «أصل» هذا الإشكال يبقى مصدر الخطر الأكبر وهو يتمثّل في انفجار مخزن الأسلحة والذخيرة لـ «حماس» في المخيم والذي سقط فيه أحد كوادرها حمزة شاهين (كان يُشيَّع الأحد).
ورغم نفي «حماس» أن يكون ما انفجر هو مخزن أسلحة، فإن هذه الرواية ناقضتْها مصادر عسكرية لبنانية، وسط توقف أكثر من مصدر عند تعدُّد الاحتمالات حيال «الصاعق» الذي أدى للانفجار، كما عند أنه حصل في «أرض القرار 1701» أي في نطاق عمليات قوة «اليونيفيل» رغم أن لا صلاحية لديها على المخيمات الفلسطينية التي تُعتبر جزراً أمنية خارج سلطة الدولة اللبنانية.
واعتبرت المصادر أن هذا التطور الذي يؤشر الى كون لبنان عائماً فوق «براميل بارود»، معطوفاً على «الفتيل» الذي يُراد إبقاؤه مشتعلاً في علاقات بيروت مع الخليج، يعكسان أن «بلاد الأرز» أبعد ما تكون عن استعادة توازنها المالي ولا السياسي أو حتى الخروج من الأزمة الحكومية المستحكمة منذ شهرين والتي يصعب توفير حلول لها تزداد صعوبة كلما مرّ وقت أكثر ترتفع تكلفته على يوميات البؤس للبنانيين الذين يكتوون بنار الدولار الذي انسحقت أمامه الليرة أمس، مع بلوغها القعر الأعمق بـ 27 الف ليرة للدولار الواحد.
ولاحظت الأوساط في هذا السياق تحوُّل المعركة التي يصرّ عليها الثنائي الشيعي «حزب الله» ورئيس البرلمان نبيه بري بوجه المحقق العدلي بانفجار مرفأ بيروت القاضي طارق بيطار «مكاسرةً» باتت على طريقة «غالب أو مغلوب»، في ظل دخول علاقة رئيس الجمهورية ميشال عون وميقاتي أيضاً مرحلة توتراتٍ بدأت تخرج إلى العلن على خلفية حضّ الأول رئيس الحكومة على الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء «بمن حضر»، وهو ما يرفضه الأخير من دون ضماناتٍ بعدم تفجير الحكومة برمّتها تفادياً لاستجرار مواجهة تتخذ طابعاً مذهبياً.
وفيما كان عون يؤكد أمام زواره أمس أن «الحاجة باتت ملحة لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء لا سيما أن ثمة استحقاقات كثيرة تراكمت تحتاج الى قرارات من المجلس، علماً أن استمرار عدم انعقاد جلسات الحكومة عطّل العمل الحكومي في وجوهه المختلفة، إضافة لتعطيل عمل القضاء»، فإن الأكثر إثارة للاستغراب أن هذا الأفق المسدود، عاينه «ميدانياً» الموفد الرئاسي الفرنسي بيار دوكان الذي يَجْري رصدا دقيقا لِما اذا كان سيلتقي عون، لأن عدم حصول ذلك كما أشارت بعض التقارير، سيكرّس ملامح «استبعادٍ» لرئيس الجمهورية عن مساراتِ الرعاية الفرنسية للواقع اللبناني والتي كانت أطلت برأسها من عدم إجراء ماكرون اتصالاً بعون لوضعه في أجواء مقررات لقاء جدّة، وهو ما أثار امتعاضاً غير معلَن لدى قريبين منه.
وقد أكد ميقاتي خلال استقباله دوكان «أن الاتصالات مستمرة لاستئناف عقد جلسات مجلس الوزراء لا سيما أن الفترة المقبلة تتطلب عقد جلسات مكثفة للحكومة لبت الكثير من الملفات التي هي قيد الانجاز ولمواكبة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي».
وشدد على «أن الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء من دون تأمين الظروف المناسبة قد تتسبب بمزيد من التشنج السياسي وتعقّد الحلول أكثر، من هنا فإننا نستكمل الاتصالات قبل اتخاذ القرار في هذا الإطار».
بدوره، أعلن الموفد الفرنسي أنه لاحظ العديد من التطورات الايجابية ومنها استمرار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي وانها تسير بشكل جيد، مشدداً على «ضرورة ارساء المبادئ العامة لمعالجة الأزمة قبل التوصل الى اتفاق مع الصندوق»، ومؤكداً «وجوب ان يصار الى انجاز الاتفاق قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة»، ولافتاً الى «أن الاتفاق مع الصندوق قد يفتح الباب حول الحوار في شأن مشاريع مؤتمر سيدر».
في موازاة ذلك، أجرى مبعوث الأمم المتحدة الى سورية غير بيدرسون محادثات مع كبار المسؤولين الذين وضعهم في«المعطيات المتصلة بالتحرك الذي يقوم به والمحادثات التي أجراها مع المسؤولين السوريين الأحد»، مشيراً الى أنها«تهدف الى إيجاد السبل الكفيلة بوضع حلول للأزمة السورية الراهنة».
https://www.alraimedia.com/article/1567380/خارجيات/هل-تكفي-اندفاعة-ميقاتي-قولا-وفعلا-لاحتواء-الغضبة-البحرينية