كتب محمد شقير في صحيفة الشرق الأوسط:
يندرج الانفجار الذي هزّ مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان في سياق السؤال عن مصير ما تقرر في مؤتمر الحوار الوطني الأول الذي انعقد في المجلس النيابي بدعوة من رئيسه نبيه بري في أبريل (نيسان) 2006 بجمع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات الفلسطينية وتنظيمه بداخلها، والذي بقي حبراً على الورق ولم ينفّذ، بعد أن اصطدم بموقف معارض من النظام في سوريا، الذي حاول الالتفاف عليه بتكليف قوى التحالف الفلسطيني التي تتخذ من دمشق مقراً لقيادتها بالتفاوض مع السلطات اللبنانية كبديل لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويفتح الانفجار الذي استهدف أحد مراكز حركة المقاومة الإسلامية «حماس» في المخيم الباب أمام إعادة طرح مسألة السلاح غير الشرعي ومنه السلاح الفلسطيني المنتشر خارج المخيمات وتحديداً في القواعد العسكرية التابعة للجبهة الشعبية، القيادة العامة، التي أسسها أحمد جبريل الذي توفي أخيراً في أحد المستشفيات في دمشق.
وبطبيعة الحال، فإن الانفجار بصرف النظر عن أسبابه وظروفه شكّل إحراجاً للدولة اللبنانية التي لم يتح لها أن تضع يدها على التحقيق لتبيان الأسباب التي كانت وراء حصوله، مع أن ما يميّز مخيم برج الشمالي عن المخيمات الأخرى يكمن في أنه الوحيد المفتوح على البلدات المجاورة له، ولا يخضع الدخول إليه أو الخروج منه لإجراءات أمنية مشددة كغيره من المخيمات، وإن كان الانفجار قد أظهر للمرة الأولى أن «حماس» أسوة بمعظم الفصائل الفلسطينية الأخرى قررت الالتفات لتحصين حضورها السياسي، بأن تؤسس لإقامة بنية عسكرية خاصة بها بعد الزيارة التي قام بها رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية للبنان في سبتمبر (أيلول) 2020.
وبالعودة إلى ما تقرر في مؤتمر الحوار الوطني الأول بخصوص السلاح الفلسطيني، يقول مرجع سياسي شارك في أعماله لـ«الشرق الأوسط» إن جمعه خارج المخيمات وتنظيمه بداخلها حظي بتأييد جميع الذين شاركوا فيه، ويؤكد بأن معظم المشاركين فيه اقترحوا بأن يكلف الرئيس فؤاد السنيورة الذي كان يرأس الحكومة آنذاك بالتفاوض مع الفصائل الفلسطينية والتواصل مع النظام في سوريا لإزالة العقبات على طريق تهيئة الظروف السياسية لتطبيقه.
لكن البعض ممن شاركوا في المؤتمر ارتأى، كما يقول المرجع السياسي الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إعفاء السنيورة من مهمة التواصل مع النظام في سوريا بذريعة أن الكيمياء السياسية بينهما مفقودة وتعود إلى الاشتباك السياسي القائم بين قوى «14 آذار» التي ينتمي إليها السنيورة وبين دمشق على خلفية اتهام النظام في سوريا بضلوعه في اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري في فبراير (شباط) 2004.
لذلك تقرر حينها أن يشارك الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله في الاتصالات لوضع القرار الخاص بالسلاح الفلسطيني موضع التنفيذ، وكانت المفاجأة بإيفاد دمشق جبريل إلى بيروت للتفاوض مع السلطة اللبنانية في موضوع السلاح، لكن باسم قوى التحالف الفلسطيني بالنيابة عن منظمة التحرير التي كانت على خلاف مع النظام في سوريا.
ويسأل عن الأسباب التي كانت وراء تعليق التفاوض حول السلاح الفلسطيني الذي أخذ ينتشر بشكل عشوائي في عدد من المناطق الواقعة خارج المخيمات، وبالأخص أثناء اندلاع الحرب في سوريا التي كانت وراء إبعاد «حماس» عن الساحة السورية بإقفال مكاتبها داخل المخيمات الفلسطينية بدءاً بدمشق واضطرارها للتموضع بكثافة غير مسبوقة في المخيمات في لبنان بعد أن أتاحت السلطات السورية لقوى التحالف، التي تتزعمها القيادة العامة، السيطرة على مخيم اليرموك، بعد أن تصاعد الخلاف بين دمشق و«حماس» على خلفية تأييدها لقوى في المعارضة السورية.
وعليه، فإن انفجار برج الشمالي يستحضر مجدداً، كما يقول المرجع السياسي، إدراج ملف السلاح الفلسطيني على جدول أعمال الحكومة الميقاتية كغيره من السلاح الذي كان وراء استحداث دويلة داخل الدولة لا تخضع لسلطة الدولة المركزية؛ خصوصاً أن ما تقرر في الحوار لم يرَ النور فحسب، وإنما أدى إلى تفشّيه، وهذا ما يتبين من خلال القواعد العسكرية التي استحدثتها الجبهة الشعبية – القيادة العامة، غير تلك الأنفاق التي أقامتها سابقاً في بلدة الناعمة الواقعة على مقربة من مطار رفيق الحريري الدولي.
فالجبهة الشعبية استحدثت أخيراً قاعدتين عسكريتين، الأولى في بلدة قوسايا البقاعية، والثانية في منطقة تُعرف بالجبيلي تقع بين بلدتي بر إلياس وكفر زبد وعمدت إلى تحصينها بشقها الأنفاق تحت الأرض، مع أنه لا مبرر لوجود هذه القواعد بعد أن تحول السلاح الفلسطيني إلى سلاح يستخدم في الاقتتال الداخلي وأحياناً بتوجيه رسائل سياسية إلى إسرائيل بإطلاقها صواريخ موضوعة خارج الخدمة ولم يعد لها من فاعلية سوى أنها رسائل إقليمية بامتياز تُطلق في معظم الأحيان بالتزامن مع ما يحصل بداخل الأراضي المحتلة، وبالتالي فإن المخيمات تحولت إلى محميات أمنية وسياسية لا سلطة للدولة عليها، مع أنه لم يعد من قضية في قتال إسرائيل لاسترداد الأرض سوى توظيفه لأغراض إقليمية لم يعد في وسع لبنان أن يتحملها.