الدولار “طلوع” والانترنت مهدد بالانقطاع، و”أوميكرون” يتفشى والقدرات الطبية والاستشفائية والتمريضية تتلاشى، والأرضية المعيشية والمالية والاقتصادية تنهار تحت أقدام جميع اللبنانيين، بعدما أوصدت السلطة كل نوافذ الأمل، وآخرها نافذة “معاً للإنقاذ” التي أحكم الثنائي الشيعي إيصادها وختمها بـ”شمع أحمر قضائي” ممنوع قبعه عن قاعة مجلس الوزراء إلا بعد قبع المحقق العدلي في جريمة انفجار المرفأ القاضي طارق البيطار.
وبينما تدور الدوائر على البلد وتتناوب المصائب على قهر أبنائه وإذلالهم يوماً بعد آخر، بدأت الروابط تتفكك بين الأكثرية الحاكمة، والوثاق يتحلل بين أركانها، تنصلاً من المسؤوليات وتقاذفاً للاتهامات حيال ما بلغته أحوال الناس، وقد بلغ التضعضع على جبهة السلطة أشده أمس بكلام من العيار الثقيل، ألقى من خلاله رئيس الجمهورية ميشال عون بثقله الرئاسي والدستوري على قاعدة “يا روح ما بعدِك روح” رفضاً لتعطيل آخر حكومات العهد، بحيث لم يتردد علناً في حشر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في زاوية وجوب الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء “ولو تمت مقاطعتها” من قبل الثنائي الشيعي، وفي زجّ “حزب الله” في قفص الاتهام الصريح بأنه يتحمل مسؤولية مباشرة عن تعطيل الحكومة وشل الدولة والإمعان في خرق الدستور ومفاقمة معاناة اللبنانيين.
وفي سياق يتكامل مع اعتبار تكتل “لبنان القوي” برئاسة النائب جبران باسيل أمس أنّ عدم دعوة ميقاتي إلى انعقاد مجلس الوزراء يندرج ضمن إطار “الموقف المتواطئ” الذي يجعل من الحكومة ساقطة “دستورياً وسياسياً وشعبياً”، أتت مواقف رئيس الجمهورية أمام وفد نقابة المحررين لتضع الإصبع على الاستنزاف الحكومي “بين السياسة والقضاء”، مطلقاً جملة مواقف تدشن معركة “الحياة أو الموت” التي يخوضها العهد في سنته الأخيرة والتي لا يبدو أنها ستستثني بنيرانها لا الحلفاء… ولا “الأصدقاء” على حدّ توصيف عون لـ”حزب الله” في معرض تصويبه على الأداء التعطيلي الذي ينتهجه “الحزب” حكومياً ودستورياً.
ولأنّ اللعب أصبح “على المكشوف”، قالها رئيس الجمهورية بالفم الملآن: “أريد جلسة لمجلس الوزراء اليوم قبل الغد وبمن حضر”، وهذه “رسالة” وفق مصادر واسعة الاطلاع “تتجاوز السراي الحكومي لتصل مباشرةً إلى حارة حريك وعلى وجه الخصوص إلى الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله، تعبيراً عن تعاظم الامتعاض العوني من تجاهل “الحزب” حاجة العهد وتياره الملحة لخدمات الحكومة لتحقيق أي إنجاز إصلاحي عشية الانتخابات النيابية وقبيل انتهاء الولاية الرئاسية”. أما ميقاتي، فمن حيث لا يتوقع وجد نفسه يقف على رأس حكومته “بين مفترقات ثلاثة، إما أن ينحاز إلى إلحاح عون على الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء رغم مقاطعة الثنائي الشيعي وحينها تفتح الأبواب على كل الاحتمالات، وإما يستمر في تريثه ومحاولاته التي يبدو أنها لن تصل إلى أي مكان إذا لم يسبقها تطيير المحقق العدلي، وفي ذلك خطورة كبيرة جراء تدحرج التطورات الدراماتيكية المرتبطة بالانهيار المعيشي والاقتصادي والمالي، وإما أن يبقي آماله معقودة على فرنسا للتدخل وحل الخلاف مع الخليج العربي، لكنّ هذه الآمال سرعان ما طوّقتها قائمة المطالب المشتركة السعودية – الفرنسية والتي عبرت عنها محادثات جدة بين الرئيس ايمانويل ماكرون وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي عاد وجال بها على عواصم دول مجلس التعاون جاعلاً منها مفتاح الحل والربط الخليجي في التعاطي مع لبنان الرسمي، بما يشمل حصرية السلاح بيد الدولة واستكمال تنفيذ القرار 1559 ووقف أعمال “حزب الله” العدائية والارهابية، وهذا ما يجعلها أشبه بمهمة مستحيلة أمام حكومة ميقاتي”.
وبالنظر إلى التعقيدات المتعاظمة، فإنها تؤشر بحسب أوساط مراقبة إلى “حقيقة مرّة يحاذر اي من الفرقاء في السلطة النطق بها وهي أنّ القوى الاساسية في الحكومة الحالية لا تريد إجراء الانتخابات إنما تعمل وفق أجندة التفاوض غير المعلن حول التمديد لسنة او سنتين، وسط الحديث عن الشروع باتجاه تمديد شامل للمجلس ورئاسته الثانية وصولا الى الرئاسة الاولى وبينهما حكما الرئاسة الثالثة بتركيبتها الحالية، وإلا في حال تعذر الوصول إلى هذه التسوية، فإنّ الجميع في السلطة يبدو ذاهباً باتجاه تكريس الفراغ في كل المواقع الدستورية لفرض الجلوس إلى طاولة مؤتمر تأسيسي”… لكن الأخطر هنا، هو ما ينقله زوار عاصمة كبرى من أنّ “الملف اللبناني موضوع حالياً بالثلاجة الدولية”، وقد سمع مسؤولون لبنانيون كلاماً صريحاً بهذا المعنى يشدد على وجوب عدم انتظار الحلول من الخارج للأزمة اللبنانية، “فيمكنكم الاستمرار في استنزاف بلدكم لكن لن تجدوا في نهاية المطاف من سيقدم يد العون لطبقة سياسية مكانها ليس في سدة المسؤولية إنما خلف قضبان العدالة”.
وتزامناً، جددت قمة الرياض أمس التأكيد على الموقف الخليجي الموحد حيال لبنان بشكل يرهن مساعدته بشروط إصلاحية وسيادية أبرزها “منع جماعة حزب الله من القيام بعمليات إرهابية، وتعزيز الجيش وضمان اقتصار الأسلحة على مؤسسات الدولة الشرعية”، كما أعلن الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي نايف الحجرف إثر انتهاء القمة، مؤكداً في الوقت عينه على ضرورة “تشديد الرقابة على الحدود واتخاذ إجراءات لردع تهريب المخدرات عبر الصادرات اللبنانية إلى السعودية وسائر دول الخليج”.