جاء في النهار:
بعد أن انتقل لبنان من المستوى الثالث إلى المستوى الرابع في التفشّي الوبائيّ المجتمعيّ، وبعد زيادة الحالات حيث بلغت نسبة إشغال أسرّة العناية الفائقة 75 في المئة ونسبة الفحوص الإيجابية المقلقة 11.1 في المئة، تجدّدت صرخات التحذير والتوعية من تكرار سيناريو العام الماضي مع متحور “دلتا”، وما شهدناه من موجة قاسية على المستشفيات والمجتمع في آن.
لكنّ وضعنا الاستشفائيّ والصحّي اليوم مختلف عما كان عليه العام الماضي، لم تكُن تواجه المستشفيات أزمة في تأمين الدواء ولا هجرة أطبّائها والطواقم التمريضيّة. أقسام كورونا في بعض المستشفيات جاهزة ولكنّها تفتقر لمن يديرها ويعالج المرضى. الوضع صعب، والبلد في مرحلة الأعياد والخطر من انفجار كارثة صحّية لا يمكن للبنان مواجهتها.
وما أعلنه اليوم وزير الصحّة فراس الأبيض كان بمثابة تحذير من الوضع الوبائيّ الحساس جدّاً، مشيراً إلى “انّنا أمام تحدٍّ كبيرٍ شهدناه العام الماضي يتمثّل بالتدابير الواجب اتّخاذها في فترة الأعياد. وفي حال انتشار موجة جديدة، فإنّ قدرة المستشفيات ستكون محدودة”.
أمّا في الأرقام، نجد أنّ الوضع الاستشفائيّ مقلق أيضاً، إذ وصلت القدرة الاستيعابية للمستشفيات إلى 95 في المئة في محافظة عكار و90 في المئة في محافظة النبطية، أمّا المعدل في كلّ لبنان فهو 75 في المئة. ووفق الأبيض “أمام الطاقة المحدودة للمستشفيات لا شكّ أنّ ازدياد الأعداد هو أمر لا قدرة للبنان حاليّاً على احتماله”.
فماذا يجري داخل المستشفيات؟ وماذا يقول مدير العناية الطبية في وزارة الصحّة الدكتور جوزف حلو لـ”النهار”؟
يوضح حلو أنّ هناك بعض المناطق التي بلغت نسبة اشغال لمرضى كورونا 70% وأخرى 80، فيما مناطق أخرى بلغت 62%. لكن تشهد محافظتا جبل لبنان وبيروت النسبة الأكبر من الضغط. ما نتخوّف منه أن يتكرّر سيناريو العام الماضي، وبرغم مما أحرزه الماراثون من نتائج جيّدة (حوالى 62 ألف شخص تلقّحوا)، نحتاج بعد إلى رفع نسبة التطعيم أكثر لتفادي مضاعفات كورونا، خصوصاً أنّ 90% من المرضى في المستشفيات هم من غير الملقّحين”.
ولا يخفي حلو تخوّفه من فترة الأعياد والتجمّعات العائلية وسهرات رأس السنة، فالتجمّعات في الأماكن المغلقة تزيد هواجسنا من مواجهة سيناريو كارثيّ لسنا بقدرة استشفائيّة وصحّية على مواجهته”.
لم تفلح الإجراءات والتدابير التي فرضتها الدولة في العام الماضي من حدوث الكارثة بعد انتهاء حفلة رأس السنة، وهذه الحقيقة قد تفسّر تخوّف المعنيين من تكرار هذا الواقع والتفلّت في بعض الأماكن، لندفع ثمنها بلوغ القدرة القصوى في الاستشفاء.
وهذا ما دفع بمدير العناية الطبية في وزارة الصحّة إلى إطلاق نداء من المستشفيات، إلى فتح أقسام كورونا أقلّه بالحدّ الأدنى، وقد أرسلنا مذكّرة في هذا الشأن، إلّا أنّ المشكلة الأساسيّة التي نواجهها اليوم تتمثّل بهجرة الطواقم الطبية والتمريضية في هذه الأقسام، وبالتالي هناك مستشفيات جاهزة لفتح هذه الأقسام، لكن لا توجد طواقم طبّية لمعالجة المرضى، مثل البقاع والشمال. وعليه قليلة هي المستشفيات الخاصّة التي أعادت فتح أقسام كورونا، لذلك نناشدهم بفتحها بالحدّ الأدنى، مثلًا 5 أسرّة في كلّ مستشفى، أي ما يعادل 600 سرير لحوالى 120 مستشفى.
في حين تشرح رئيسة برنامج الترصّد الوبائيّ في وزارة الصحّة الدكتورة ندى غصن أنّ “غالبية الحالات تعود لدلتا وأنّ هناك 8 حالات مؤكّدة من متحوّر “أوميكرون” و21 حالة مشتبه بها، وننتظر صدور نتائجها قريباً. ولكنّ السبب في زيادة الحالات لا يعود إلى تسجيل حالات “أوميكرون” وإنّما إلى انتشار الفيروس بعد أن انتقلنا الأسبوع الماضي من المرحلة الثالثة إلى المرحلة الرابعة من التفشّي المجتمعيّ”.
كما أنّ زيادة الإصابات في مناطق الأطراف هي اليوم أعلى من الموجة التي شهدها لبنان في تموز وآب، وتعتبر مناطق الشمال وجبل لبنان والنبطية أكثر المناطق التي تشهد ارتفاعاً في الحالات الإيجابية ونسبة الحدوث فيها منذ 14 يوماً.
وتشير غصن إلى أنّ ذلك يضعنا أمام نقطتين أساسيّتين:
* القدرة الاستشفائية: وقد بلغت قدرة استعمال أسرّة العناية الفائقة لأقسام كورونا 73% وهي نسبة مرتفعة، والخوف من عدم القدرة على استيعاب المرضى بعد الوصول إلى القدرة الاستيعابيّة القصوى.
* على الناس تحمّل المسؤولية واتّخاذ الإجراءات الوقائيّة والإقبال على التطعيم، فنسبة التطعيم حتّى اليوم بلغت للجرعة الأولى 40% وللجرعتين 34%، وتعتبر النسب أقلّ بكثير من المستوى العالميّ.
يُجمِع المعنيّون على أنّ القدرة الاستيعابيّة للمستشفيات أقلّ من العام الماضي، وهذا ما يؤكّده الحلو بأنّ القسم الأكبر من مرضى كورونا يأتي إلى المستشفيات الحكومية، منوّهاً بالدور الرائع الذي تقوم به المستشفيات الحكوميّة بالإضافة إلى الجهود المبذولة والمتواصلة من الصليب الأحمر لنقل المرضى من منطقة إلى أخرى ومن محافظة إلى أخرى. بالأمس نقلنا مريضاً من منطقة جبيل إلى مستشفى النبطية الحكوميّ بعد تعذّر إيجاد سرير له في منطقة بيروت”.
إذاً، التمنّي الوحيد اليوم يتلخّص بعدم اجتماع الناس في المطاعم من دون أدنى إجراءات الوقاية، كما شهدنا العام الماضي حيث احتفل الناس بليلة رأس السنة، وبعد أسبوع بكينا دماً. كورونا لا ترحم، وعلى الرغم من الالتزام بالوقاية فقد تلتقط العدوى في لحظة.