كتبت كلير شكر في “نداء الوطن”:
تنتهي اليوم، المرحلة الثانية من آلية اختيار المرشحين التي أطلقها “التيار الوطني الحرّ” مطلع شهر تشرين الثاني الماضي. وهي تقوم على أساس استطلاع رأي القاعدة العريضة لـ”التيار” من ملتزمين ومؤيّدين ومناصرين، فيما قامت المرحلة الأولى على قاعدة “استطلاع رأي المنتسبين والمنتسبات المسجّلين على القوائم الانتخابية”، على أن تحسم الثالثة المسار من خلال “اختيار المرشّحين والمرشّحات وفقاً للتحالفات ولاستطلاعات الرأي العامّ، وبقرار من رئيس التيار بعد التشاور مع المعنيّين”.
أول ما وجب ذكره، هو أنّ “التيار” يحاول الاستفادة من تجربة الاستحقاق الماضي التي خاضها كما الآخرين، وفق النظام النسبي وقاعدة الصوت التفضيلي الذي تحوّل إلى سكين في أيدي المتحالفين ورفاق اللائحة الواحدة، ما دفعهم إلى خوض معارك ضدّ بعضهم البعض لضمان التربّع على عرش الأصوات التفضيلية. وقد شهد “التيار” بسبب الصراع على هذه الأصوات، فوضى انتخابية غير مسبوقة، خصوصاً وأنّه فلش ترشيحاته على كلّ الدوائر المسيحية بشكل أدى إلى تشتيت أصواته، خصوصاً وأنّ التجربة الأولى لقانون الانتخابات كانت بمثابة اختبار فعلي للقوى الحزبية والمرشحين كما للناخبين.
ولهذا، يسعى “التيار” إلى التعلّم من هذا الدرس من خلال حصر ترشيحاته بقدراته الانتخابية فقط، بمعنى أنّ ترشيحاته الحزبية ستكون على أساس عدد الحواصل الانتخابية التي ينالها في كلّ دائرة انتخابية. ولهذا يكثّف من احصاءاته ودراساته الميدانية واستطلاعات الرأي، لأنّه لن يرشّح أيّ مرشح اضافي يتجاوز قدرة التيار على تأمين وصوله إلى الندوة البرلمانية. على سبيل المثال، اذا كانت أصوات التيار في دائرة بعبدا تسمح بإيصال نائبين اثنين، فهو لن يرشّح أكثر من مرشحين حزبيين، فيما يصار في ما بعد إلى عقد تحالفات داعمة. وبهذا المعنى سيستطيع ضبط القاعدة الحزبية وتوجيهها والتقليل قدر الامكان من حجم المعارك الداخلية والخلافات التي نتجت عن التنافس على الصوت التفضيلي. لكنه بالنتيجة، لن يتخلص من هذا “الوباء” طالما أنّ الصوت التفضيلي هو معمودية النار للوصول إلى الندوة.
وعليه، يُنتظر أن تُعرف نتائج المرحلة الثانية نهاية الأسبوع الحالي، على أن تُعلن الترشحيات مطلع العام المقبل ليبدأ العمل الميداني على أساس رسمي، مع العلم أنّ المتابعين لهذا الشأن يجزمون أنّ معظم الأسماء محسومة منذ مدة ومعظمها يتحرك على الأرض منذ مدّة أيضاً، وبالتالي إنّ عدداً محدداً من الترشيحات قد يُترك حسمها حتى اللحظات الاخيرة ليُفرج عنها من مكتب رئيس التيار، بدليل اللغط الذي ساد المرحلة الأولى، وأبرز تجليّاته:
– مباغتة بعض المرشحين بانطلاق الآلية التي جرت عبر التصويت الالكتروني والاتصالات الهاتفية، فيما بعضهم الآخر كان على دراية بتوقيتها ويعدّ العدّة لها مع الكوادر والمفاتيح المحسوبة عليه.
– طبيعة الآلية التي اختلطت على العونيين ما اذا كانت انتخابات تمهيدية أم استطلاعاً للرأي، بعدما رفض النواب الخضوع من جديد لـ”بهدلة” الانتخابات التمهيدية أسوة بالعام 2018 وكان يفترض أن تكون الآلية عبارة عن استطلاع للرأي. ومع ذلك أحيطت النتائج بالشكوك كونها لا تعكس حقيقة توجهات القواعد الحزبية، كأن تحصل الوزيرة السابقة ندى البستاني في كسروان على 350 صوتاً من أصل 500 شاركوا، بينما يبلغ عدد حاملي البطاقات أكثر من 3900 حزبي، ما يعني أنّ أكثر من 3000 حزبي لم يفصحوا عن توجههم الانتخابي.
– الغموض في كيفية احتساب النتائج وتأخّر صدورها ووقوع العديد من المشاكل التقنية فيما حال انعدام سريّة التصويت دون مشاركة الكثير من الحزبيين (لم يشارك في الاستطلاع سوى ربع حاملي البطاقات الحزبية)، فلم تعلن النتائج بشكل رسمي ولم يُعرف من هم المرشحون الذين انتقلوا إلى المرحلة الثانية وعلى أي أساس.
وكل هذه الاشكاليات قطعت الشكّ باليقين بالنسبة للكثير من العونيين الذين تأكدوا أنّ نتائج الآلية معلّبة سلفاً وهي ليست سوى لعبة استعراضية لا أكثر، لم تحقق الا هدفاً واحداً: التخفيف من “طفرة” الطامحين الذين ازيحوا بطريقة لائقة.
في مطلق الأحوال، يتصرّف بعض المرشحين العونيين على أساس أنّ الانتخابات ستحصل في أيار، لا بل يجزمون بحتمية حصولها في وقتها بلا أي تأجيل أو تمديد لمجلس النواب. ويقول أحدهم إنّ الكلام عن تأجيل هو من باب احباط معنويات الناخبين لا أكثر، لأنّ الانتخابات ستحصل في أيار، و”التيار” يستعد لها جيداً. العنوان الكبير للتحالفات، صار معروفاً، ويتمحور حول قوى الثامن من آذار، ويفترض انتظار أن يحسم رئيس تيار “المستقبل” سعد الحريري قراره ما اذا كان سيخوض المعركة أم سيترك الحرية لنوابه وبعض المرشحين الذين يدورون في فلكه في نسج تحالفات تتناسب ومصالحهم الانتخابية.