كتب حسين زلغوط في “اللواء”:
لم يعد هناك من تكافؤ في السباق المحموم الحاصل بين المسؤولين السياسيين ومعهم مسؤولون عرب وأجانب من جهة، والأزمات المتعددة والمتشعبة التي يغرق فيها لبنان من أذنيه حتى أخمص قدميه من جهة ثانية، فهذه الأزمات ستبتّ محاولات المعالجة بأشواط، لا بل أصبح من المتعذر اللحاق بها، ما لم تحصل معجزة ما ترأف بحال اللبنانيين الذين يعانون من عجز كبير في إمكانية الصمود أكثر والحصول على لقمة عيش تجنبهم الموت المحتم.
للأسف كل المحاولات الجارية للإنقاذ في الداخل والخارج لم تجد طريقها بعد للوصول إلى الهدف، لا بل إن العقد والعراقيل التي تحول دون ذلك تتزايد يوماً بعد يوم وتضع اللبنانيين على حافة الجوع المدقع، بعد أن تجاوز عدد العاطلين عن العمل أكثر من نصف اللبنانيين، ناهيك عن مئات الآلاف منهم الذين باتوا يعيشون تحت خط الفقر، من دون بروز أي معطيات تفيد بإمكانية انخفاض هذه النسب التي لم يألف لبنان مثيلاً لها منذ ما قبل الاستقلال إلى اليوم.
ووفق المعلومات فإن كل شيء على المستوى السياسي باقٍ على حاله، وإنه لا يؤمل حصول أي تطوّر إيجابي على هذا المستوى حتى نهاية العام، لا بل إن المؤشرات توحي بأن الأزمة السياسية التي تمنع على الحكومة من عقد جلسات لها ستمتد مع بداية العام المقبل، ويقابل ذلك مزيد من الانهيار إن على مستوى صرف الليرة، أو على مستوى الارتفاع الهائل في أسعار المواد الغذائية التي بات بعض أنواعها يعتبر من الكماليات لدى القسم الأكبر من اللبنانيين.
وتـؤكد المعلومات استحالة إحداث أي خروقات جوهرية في جدران الأزمات المفتوحة إن سياسياً أو اقتصادياً أو قضائياً في غضون ما تبقَّى من أيام تفصلنا عن نهاية العام، لا بل إن ما يجري من تعقيدات على مستوى مفاوضات فيينا ينذر بتفاقم الأزمة لبنانية التي باتت لصيقة بالكامل بالمشهد الإقليمي والدولي الذي يعجّ بالازمات التي تحتاج الى معالجات ما تزال بعيدة المنال.
وعما إذا كان من الممكن أن تبقى الحكومة من دون جلسات لمجلس الوزراء لمقاربة الأزمات الموجودة ومعالجة ما يُمكن معالجته، تلفت مصادر سياسية متابعة إلى أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحاول التعويض عن هذا الأمر بتكثيف عمل اللجان الوزارية لكي لا يزيد الطين بلة، إن هو وجَّه دعوة لإنعقاد مجلس الوزراء في ظل الانقسام السياسي الموجود حالياً.
وترفض هذه المصادر وصف الحالة الراهنة للحكومة بتصريف الأعمال،مؤكدة أن هناك اجتماعات للجان وزارية برئاسة الرئيس ميقاتي متواصلة، وكذلك الحال بالمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وهو أمر كان من المتعذر حصوله عندما كانت حكومة الرئيس حسان دياب التي عاشت لأشهر طويلة في شبه شلل تام.
وإذا كانت المصادر ترسم صورة قاتمة للوضع اللبناني في الوقت الراهن، فإنها تعلق أملاً على الحراك الفرنسي المستمر تجاه لبنان، حيث يكاد هذا الحراك هو الباب الوحيد الذي يُمكن الولوج منه باتجاه الحلول، خصوصاً وأن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يستغل كل مناسبة ويأتي على ذكر لبنان وضرورة العمل على إخراجه من أزماته، وأكبر دليل على الاهتمام الفرنسي اللامتناهي تجاه لبنان هو الاستمرار في إيفاد ممثلين عن الأليزيه إلى لبنان على الرغم من التعقيدات الموجودة، وكان آخر هؤلاء الموفد الفرنسي المكلف تنسيق المساعدات الدولية في لبنان بيار دوكان الذي يزور لبنان في أعقاب المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي في المملكة العربية السعودية، حيث أخذ الطلب الفرنسي لمساعدة لبنان حيِّزاً وافياً منها.
وحول ما إذا كان من الممكن أن يتكرر المشهد الحكومي الذي حصل خلال حكومة الرئيس فؤاد السنيورة حيث استقال الوزراء الشيعة وانتفت الميثاقية عن حكومته، ترى المصادر أنه من السابق لأوانه الذهاب بالتوقعات إلى هذا الحد، لكن إذا بقيت هذه الأزمة مفتوحة عندها تصبح كل الاحتمالات واردة خصوصاً وأن لدى الثنائي الشيعي بعض الملاحظات على أداء الرئيس ميقاتي إن في مجال ملف القاضي بيطار أو غيره، إنما حتى هذه اللحظة لم يلوّح أحد بهذا الخيار، لأن استقالة الحكومة يعني إطلاق رصاصة الرحمة على الرأس، خصوصاً وأنه يستحيل الاتفاق على تأليف حكومة جديدة في ظل الظروف المحلية الدولية الراهنة، ناهيك عن دخول البلاد مع مطلع العام المقبل في مدار التحضير للانتخابات النيابية التي يُجمع المجتمع الدولي على ضرورة حصولها كممر لإحداث الإصلاحات المطلوبة من لبنان للحصول على المساعدات التي يحتاجها.