Site icon IMLebanon

“تسونامي” السرقات يجتاح لبنان… وطرابلس تستغيث

جاء في المركزية: 

حديد للبيع… خردة للبيع… من منا لا يتذكر أصوات البائعين المتجولين في سياراتهم الذين كانوا يجوبون المناطق اللبنانية كافة وينادون على المواطنين عبر مكبرات الصوت لبيع ما لديهم من حديد وخرضوات عتيقة أو شرائها لمن يرغب؟ هذه الظاهرة اختفت اليوم  مع وجود خفافيش الليل والنهار الذين يجوبون الشوارع ويسرقون على عين الدولة! وما أدراكم ما هي الغلة… ريغارات، كابلات أسلاك كهربائية، صحون الدش، تحف قديمة، طاسات دواليب السيارات، درابزين كورنيش بحري، معدات بناء من ورشة… صدقا اللائحة طويلة وقد تطول مع عمر الأزمة وسقوط هيبة الدولة.

في الأمس، كانت لافتة محاولة السطو على بنك بيبلوس في منطقة جل الديب في وضح النهار، ويكاد لا يمر يوم على اللبنانيين من دون تسجيل أكثر من عملية سلب أو تشليح أو سرقة وصولا إلى جريمة القتل. وأول رد فعل على ظاهرة ارتفاع معدل جرائم السرقة والقتل “أنه نتيجة طبيعية للأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، إضافة إلى ارتفاع كبير في نسبة العاطلين عن العمل مقابل ارتفاع موازٍ في كافة تكاليف الحياة…”. لكن الأسوأ أن نسبة السرقات ستزداد لتطأ عتبة الـ80 في المئة مع وصول نسبة من هم دون خط الفقر إلى أكثر من 70 في المئة. فهل يكون الفقر والعوز وراء تفاقم آفة السرقات في لبنان؟

مصدر أمني رفيع أكد لـ”المركزية” أن “ارتفاع معدل السرقات أمر طبيعي نتيجة انهيار قيمة الليرة اللبنانية أمام الدولار الأميركي إضافة إلى الجو السياسي المشحون والوضع الإقتصادي والإجتماعي المأزوم جدا. إلا أن الأمور لا تزال تحت السيطرة بدليل أنه تكاد لا تمر 24 ساعة من دون تسجيل عملية سلب أو سرقة أو حتى قتل بهدف السرقة وقبل انقضاء اليوم تكون الأجهزة الأمنية قد أوقفت المجرم أو العصابة أو الرأس المدبر لعملية السلب”.

ولا يخفي المصدر الأمني سلبيات الأزمة السياسية وتداعياتها على الوضع الأمني المتفلت “وهي تتفوق على الأزمة الإقتصادية”. ويكشف أن مواصفات أنواع السرقات المستحدثة مطابقة للوضع المالي” فالريغارات وقطع السيارات وصحون الدش اللاقطة والأسلاك الكهربائية وصولا إلى سرقة درابزين الكورنيش البحري في طرابلس… كل هذا يدل الى أن الهدف منها تحصيل مبالغ مالية”.

لكن من قال إن الفقير يسرق لجمع المال؟ ويجزم المصدر الأمني “هناك مسار طويل قبل أن يتحول الفقير إلى مجرم أو سارق وإلا كانت السرقات ستعم كل مجتمعات الدول حتى الراقية منها”. ويلفت إلى أن الحقد والنقمة  قد يكونان الدافع الوحيد وراء ارتكاب فقير أو معوز جريمة السرقة أو القتل. أما بالنسبة إلى السارق “فهناك البيت والبيئة الحاضنة والظروف التي تحيط به عدا عن وجود استعداد نفسي لارتكابه جريمة السرقة وهذا مؤكد من خلال التوقيفات التي تظهر وجود مذكرات توقيف سابقة في حق الغالبية”.

مع تفاقم الأزمات وانهيار الوضع الإقتصادي والمالي لم يعد ممكنا التمييز بين الفقير والمحتاج والأكثر عوزا. لكن ما يعزي أن تركيبة المجتمع اللبناني تساهم في الحد من نسبة السرقة بحسب المصدر “فالإنسان في لبنان تربى على قيم إجتماعية عالية وهو مستعد لمساندة أخيه المحتاج عدا عن وجود جمعيات إنسانية ومنظمات عالمية وهذا غير متوافر في مجتمعات الغرب مما يساهم حتما في الحد من نسبة السرقات”.

انعكاس الأزمة الاقتصادية على الأجهزة الأمنية وأدائها ليس سراً يفشى، والثابت أن محفزات العناصر والضباط انخفضت بعدما تراجعت قيمة رواتبهم ومخصصاتهم بشكل هائل، أضف إلى كل ذلك الاستنزاف الذي تعيشه كافة القطعات الأمنية والعسكرية بسبب الوضع الأمني الآخذ بالانفلات أكثر فأكثر في الشارع، ومع ذلك فإنها تعمل بقدراتها القصوى وما زالت مسيطرة على الحالة الأمنية العامة في البلاد وتقوم بواجباتها. وتختم المصادر “ما دامت هناك توقيفات وملاحقة للعصابات والمجرمين فهذا يعني أن الأمن بالمرصاد وسنبقى والكل يدرك ذلك”.

كلام مطمئن لكن ليس إلى درجة أن ننام وأبوابنا مفتوحة. فالجوع كافر والعجز عن تأمين أدنى متطلبات الحياة قد يكون لدى البعض السرقة. فماذا لو كانت الحاجة والعوز مسيطرين على بيئة مدينة بكاملها؟ والمقصود هنا مدينة طرابلس التي رفع فيها الأهالي الصوت وهم يناشدون الدولة بالتدخل للجم موجات السرقة التي استفحلت في المدينة ووصلت في بعضها إلى درجة القتل.

وزير العدل السابق اللواء أشرف ريفي اعتبر “أن الأوضاع المعيشية والإقتصادية انعكست سلبا على الواقع الأمني في كل لبنان ومما زاد في استفحال موجات السرقة غياب رادع الدولة التي فقدت وقارها وما عادت موجودة في ضمير الناس. أما بالنسبة إلى الرادع الأخلاقي فقد يكون بدوره رادعا لدى الأقلية التي تعيش حالا من العوز والفقر من الإقدام على السرقة”.

وأكد ريفي عبر “المركزية” أن صرخة أبناء طرابلس موجهة نحو الدولة لأنهم ما زالوا يراهنون عليها. وفي حال لمسوا عدم تجاوبها سيلجأون إلى تشكيل لجان الأحياء التي لن تحل مكان مؤسسات الدولة إلا أنها قادرة على تأمين الحماية لبيوتهم وممتلكاتهم وهذه الظاهرة كانت معتمدة خلال الحرب عندما كانت الدولة غائبة عن السمع أما اليوم وفي ظل غياب الدولة فهناك دويلة حزب الله التي تتحكم بالناس والعباد”.

وإذ يؤكد ريفي ألا أمل بالخلاص مع هذه المنظومة الحاكمة، تمنى على أبناء طرابلس أن يصلوا حتى “يفرط عقد هذه المنظومة، لإعادة بناء وطن على حجم آمالهم وآمال أولادهم”.