كتبت فاتن الحاج في الأخبار:
بتجميد نسب الموازنة المدرسيّة، أطلقت اللجان النيابيّة المشتركة العنان للمدارس بفرض الزيادة على الأقساط التي تناسبها، ومن دون دراسة الأثر الاجتماعي لمثل هذا القرار على قسم كبير من الأهل يقبضون بالليرة اللبنانية ولم يزدَد مدخولهم.
بحجّة الظروف الاستثنائية الطارئة، هرّبت اللجان النيابية المشتركة، الأبعاء، اقتراح قانون تلي شفهياً على مسامع النواب، ويقضي بتجميد العمل بالمادة 2 من القانون 515 بتاريخ 6/6/1996 (قانون تنظيم الموازنة المدرسية ووضع أصول تحديد الأقساط المدرسية في المدارس الخاصة غير المجانية) لسنة واحدة. المادة تستند إلى القانون الرقم 11/81 بتاريخ 13 أيار 1981 وتنص على أن الموازنة تتكون من بابين متوازيين، أحدهما للإيرادات (الرواتب والأجور)، والثاني للنفقات (مصاريف تشغيلية)، بحيث يمثل البند الأول 65 في المئة على الأقل، والثاني 35 في المئة على الأكثر. إقرار اللجان للتجميد من دون دراسة الأثر الاجتماعي للمشروع على أهالي التلامذة يعني عملياً، بحسب مصادر في لجان الأهل، إطلاق العنان لإدارات المدارس كي تفرض الزيادة التي تريدها على الأقساط، من دون أي سقف أو ضوابط، والتي يمكن أن تتجاوز الـ 100 في المئة، ويعني أيضاً تعطيل دور لجان الأهل في مراقبة الموازنات. والتجميد لا يعطل المادة 2 من القانون 515 فحسب، بل يطال مفاعيل القانون الرقم 11/81.
اقتراح القانون المقدم من النائبة بهية الحريري من خارج جدول الأعمال لم يوزع على النواب، وإنما تولّى وزير التربية عباس الحلبي شرح الأسباب الموجبة لعدم قدرة المدارس على الالتزام بالنسب المنصوص عليها في القانون نتيجة تطور الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات والقرطاسية واختلاف معايير النفقات، متعهّداً بأن تتولى الوزارة التدقيق في الموازنات وضبطها ضمن معايير جديدة. وأمام العرض المقدم من الوزير، نال الاقتراح موافقة كل من تيار المستقبل، والنواب: بلال عبد الله، علي حسن خليل وجهاد الصمد، فيما كان حزب الله ميّالاً إلى الموافقة أيضاً. في المقابل، سجّل النائب بيار أبي عاصي اعتراضه على الطرح، فيما برزت ثلاثة مواقف متضاربة في صفوف التيار الوطني، فالنائب حكمت ديب رفض الاقتراح، ودعا إلى شطبه من الجلسة، فيما أبدى النائب إدغار طرابلسي موافقته على المضمون لكنه استمهل الحاضرين أسبوعاً بهدف دراسته مع المراجع المعنية. أما النائب فريد البستاني فسأل: «إذا كان الأمر ملحّاً لهذه الدرجة، فلماذا لا تجتمع الحكومة وتقوم بدورها؟».
النائب بلال عبد الله قال لـ«الأخبار»: «ما كان في شي مكتوب، وما حصل أن معظم الكتل النيابية وافقت على التعديل من باب التجاوب مع الحالة الطارئة ومع طلب وزير التربية تسيير أمور المدارس، وخصوصاً أن الأخير تعهّد بالتدقيق».
ورغم أنه لا يمكن بناء موقف متكامل من التجميد بسبب الالتباس الحاصل نتيجة غياب الوثيقة، تشير رئيسة اتحاد لجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة، لمى الزين الطويل، إلى أن الاتحاد «ينظر بعين الريبة لكل مشروع يهرّب من دون دراسة أو مناقشة مع أصحاب العلاقة، وهو يرفض أي قانون يفصّل على قياس طرف في العائلة التربوية ويهمل مصالح باقي الأطراف وحقوقهم»، محذّرة من أن يؤدي القرار إلى انهيار للقطاع التربوي بغياب مبدأَيِ الشفافية والتدقيق. وطالبت الطويل بنشر تفاصيل المشروع فوراً لمناقشته واتخاذ موقف نهائي منه.
رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة، رودولف عبود، أكد أن ما يهمّ المعلمين هو أن «لا يأتي تضخيم نسبة المصاريف التشغيلية على حساب رواتب الأساتذة ومستحقاتهم، وخصوصاً أن بعض المدارس لم تعط الدرجات الست الاستثنائية بعد، فيما ننتظر تطبيقها في صندوق التعويضات».
مصادر في اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة توضح أن الفكرة التي طرحتها المدارس مع المعنيّين هي استحالة بناء موازنة هذا العام من خلال الالتزام بالنسب المنصوص عليها في القانون، وأنه لا بدّ من أن تتّفق الإدارات مع لجان الأهل على صيغة استثنائية.
القرار «المهرّب» يحتاج إلى موافقة الهيئة العامة للمجلس النيابي، لكن ما حصل في الواقع أنّ الدولة «المفلسة» تنصّلت من الدعم الذي طالب به كارتيل المدارس الخاصة لتغطية رواتب المعلمين والمصاريف التشغيلية، ورمت الأعباء على الأهل على قاعدة «دبّروا راسكم مع المدارس»، وساهمت فعلياً في زيادة هامش الأرباح. في المقابل، ثمّة بنود في الموازنة يمكن أن تلغيها الإدارات، مراعاةً للظروف الاستثنائية نفسها التي يمرّ بها الأهل تماماً، كما أصحاب المدارس، وهي تعويض صاحب الرخصة الذي يحدّد في بعض الموازنات بنصف مليار ليرة، والاستهلاكات والتجديد والتطوير، وأن تحصر موازنتها بالمصاريف الحقيقية مثل الكهرباء والمازوت وأدوات التنظيف والتعقيم والقرطاسية. وبحسب مصادر مطّلعة على تركيب الموازنات المدرسية، فإن «الزيادة المرتقبة» قد تبقي نحو 50 في المئة من التلامذة خارج المدارس، أو في أحسن الحالات استحداث فئة واسعة من الأهالي مديونة للمدارس.
أما في ما يخصّ تعهّد وزير التربية بالتدقيق والضوابط، فتسأل المصادر: «أين يصرف هذا الكلام؟ كيف سيحصل التدقيق وبأيّ أدوات ومن سيقوم به؟ هل لدى الوزارة مفتشون سيذهبون إلى المدارس لمراقبة الموازنات والتحقّق من صحّتها؟ وماذا سيحلّ بالـ 900 ألف ليرة التي كانت مقرّرة للمدارس عن كل تلميذ مسجّل في عام 2019 ضمن قانون الـ 350 مليار ليرة الذي أقرّ في الهيئة العامة في 28 تشرين الأول الماضي (ولم يضع له الوزير آليّة تنفيذيّة حتى الآن، رغم أن المهلة المعطاة له هي 15 يوماً)، هل ستذهب إلى حسابات المدارس من خارج الموازنة؟ ماذا لو سدّد وليّ الأمر كل متوجّباته عن أبنائه في هذا العام؟».
«الأخبار» حاولت التواصل مع الوزير الحلبي للوقوف على الردود على هذه الهواجس والحصول على نُسخة من اقتراح القانون والأسباب الموجبة لإقراره، من دون أن تُوفَّق في الحصول على أيّ جواب.