كتب مايز عبيد في نداء الوطن:
لا شيء يقال بعد اليوم امام هول ما يحصل من مآسٍ على الصعيد الإجتماعي في مدينة طرابلس، والكلمات تقف حائرة متلعثمة والعبارات تخون مهما بلغت من الفصاحة وأنت تعبّر عن الوضع. فلقد بلغت الأمور حداً غير مسبوق في مدينة محرومة منسية هي المدينة الأفقر على ساحل المتوسط وفيها أكثر من 35% نسبة بطالة، قبل الإنهيار الإقتصادي في العام 2019، فما بالك بالحال اليوم؟
في أحدث المؤشرات فإن أكثر من 70% من سكان المدينة يعيشون تحت خط الفقر، وهناك عائلات تعيش بأقل من دولار واحد في اليوم والليلة.
في المدينة المعطّلة مشاريعها ومرافقها، والتي لم تحظ من الدولة والحكومة بأي خطة إنقاذية أو برنامج لتفعيل الموارد وفتح آفاق العمل أمام الشباب والشابات، لم يعد مستغرباً إذا وجدت من يأتي إلى مستوعبات النفايات ليجمع منها أي شيء ليأكله. نعم، هناك في مدينة طرابلس وفي مناطق شمالية أخرى، من يجمعون قوتهم من مستوعبات النفايات، وأي شيء ما زال في وضع يسمح بأكله ولو من القمامة لأن باختصار لا قدرة لدى كثيرين على تأمين الأكل والشرب، ناهيك عن المصاريف الأخرى، وما أكثرها، بعدما بلغ الغلاء نسباً لم يشهدها لبنان في تاريخه.
في عاصمة الشمال وعروس الثورة، لم يعد بالأمر المستغرب أن تجد رجلًا أو طفلًا أو امرأة على قارعة الطريق يفتشون في حاويات النفايات عن شيء يؤكل. لقد انتشرت هذه الظاهرة اخيراً، والخوف أن يتحول كل الشعب مشاريع فقراء معدومين في المرحلة المقبلة أمام هول ما يحصل على الصعيد الإجتماعي.
في السياق، تفاعل الشارع الشمالي والطرابلسي بشكل خاص، مع ما نشره الناشط ماهر عوض عبر صفحته الخاصة على الفايسبوك وفيه: “حصل اليوم في طرابلس: بمنطقة الزاهرية قاعد بسيارتي عم اكل لقمة حد مدرسة الروم… رجال سبعيني لابس بدلة رسمية وقميص نضيف… مر من حد مستوعب زبالة… مشي فشختين… رجع عالمستوعب.. تطلع بقلبو… تطلع يمين وشمال… شال كيس من جيبة البنطلون… حط فيه 3 حبات بندورة شالها من المستوعب وكمّل طريقو… هيدا الشخص السبعيني هو استاذ لغة عربية وشاعر كان يعلمني هل لغة بمدرسة الطليان بالمرحلة المتوسطة… منظرو عصر قلبي ودمعتي حرقتني حرق…”.
ومع أن الواقع المروي مؤلم وصعب، إلا أنك لم تعد بحاجة لأن تقرأ أو تسمع عن مثل هذه القصص لتصدقها، لأنك بالفعل، وأنت تسير في شوارع طرابلس، وأزقّتها، تقع عيناك على مثل هذه الحالات بشكل يومي ومتكرر. من المؤسف أن مشهد الأشخاص الذين يجمعون الأكل من مستوعبات النفايات أو من بقايا الخضار والفواكه المرمية على جوانب سوق الخضار أو المحلات أصبح أمرا اعتيادياً، لأنه وباختصار “الناس فعلًا ما معا”.
لا شك أن الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية في طرابلس ومناطق شمالية أخرى تسوء يوماً بعد آخر. بالمقابل، ليس هناك من حلول ولا معالجات. في هذا الوقت، يتجه المجتمع شيئاً فشيئاً نحو الفوضى وتكثر عمليات السلب والنهب في الليالي وأحياناً في وضح النهار، لأنه بكل تأكيد وعلى مقولة أحدهم: “الناس جاعت .. واللي بيجوع ما تسأل شو بيعمل”.